بُنَيَّ فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ هَذَا آخِرَ زَادِكَ مِنَ الدُّنْيَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَأَيْتُ الْغُلَامَ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَارْتَعَدَ، وَسَقَطَتِ اللُّقْمَةُ مِنْ يَدِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا بُنَيَّ مَنْ أَنَا؟ فَقَالَ: أَنْتَ أَبِي وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَلِي عَلَيْكَ حَقُّ طَاعَةٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: طَاعَتَانِ مَفْرُوضَتَانِ، أَوَّلُهُمَا: أَنَّكَ وَالِدِي، وَالْأُخْرَى: أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَبِحَقِّ أَبِيكَ إِنْ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتَنِي؟ قَالَ: يَا أَبِي، لَا أَقُولُ غَيْرَ الصِّدْقِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ ضَيْفًا لِنُسَيْبِكَ الْيَهُودِيِّ فَشَرِبْتَ الْخَمْرَ عِنْدَهُ وَسَكِرْتَ؟ ، يَا أَبِي، قَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَقَدْ تُبْتُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ، رَأْسُ مَالِ الْمُذْنِبِينَ التَّوْبَةُ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ دَخَلْتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَائِطَ بَنِي النَّجَّارِ، فَرَأَيْتَ امْرَأَةً وَاقَعْتَهَا؟ فَسَكَتَ وَبَكَى، وَهُوَ يَبْكِي وَيَلْطُمْ وَجْهَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا بَأْسَ، اصْدُقْ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الصَّادِقِينَ، فَقَالَ: يَا أَبِي، قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَالشَّيْطَانُ أَغْوَانِي، وَأَنَا تَائِبٌ نَادِمٌ، فَلَمَّا سَمِعَ مِنْهُ عُمَرُ ذَلِكَ قَبَضَ عَلَى يَدِهِ وَلِبَّتِهِ، وَجَرَّهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا أَبَةُ، لَا تَفْضَحْنِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ، فَخُذِ السَّيْفَ فَاقْطَعْنِي هَهُنَا إِرَبًا إِرَبًا، قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢] ، ثُمَّ جَرَّهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ إِلَى بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute