ت ... ، في صندوق ثم جعل يحركه طمعاً منه أن تتألف هذه الحروف من تلقاء نفسها، فيتركب منها قصيدة بليغة، أو كتاب دقيق في الهندسة، أليس ذلك من السّفه المبين ونقص العقل؟! فإنه لو داوم على تحريك هذا الصندوق السنين والدهور لم يحصل إلا على حروف.
ومثله كمن يقول: إن رجلاً أعمى غرزت له إبرة في لوحة، وأُعطي ألف إبرة، وقيل له: ارم هذه الإبر واحدة بعد الثانية، لتدخل الإبرة الأولى في ثُقب الإبرة المغروسة في اللوحة، وتدخل الإبرة الثانية في ثقب الأولى، والثالثة في ثقب الثانية، وهكذا بطريق الصدفة، حتى دخلت كل الإبر في بعضها بطريق الصدفة، فهل عاقل يصدق بهذه العملية والتي قبلها؟ لا يمكن أن يُصدّق عاقل بهذا، لأنه من قبيل المستحيل الذي لا تقبله العقول ولا تُقرّه، فكيف يُصدّق عاقل أن الكون كله بما فيه من إبداع وتنظيم في كل ذرة من ذراته وُجِدَ بطريق الصدفة؟
إن مخلوقاً يُصدّق بهذه التخيلات لمجنون قطعاً، لا تصلح نسبته إلى العُقلاء، ولا يُذكر في عدادهم أبداً {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}(١).
وهذا فيه دلالة عقلية قاطعة على أن اللَّه هو الخالق لكل شيء، وأن