ولقد اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: ١١١]، وجعل هذا البيع التجارة الرابحة المنجية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [الصف: ١٠، ١١].
واعتبر الامتناع عن الإنفاق في سبيل الله إلقاء بالنفس في التهلكة {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]. فإذا لم يبذل المسلمون في سبيل الله، وتأييد دينه وإعلاء كلمته كل ما يستطيعون من قوة ومال فقد أهلكوا أنفسهم، ومكنوا لأعدائهم من رقابهم، وروى عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال: هذه الآية نزلت فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه. قال بعضنا لبعض سِرًّا: إن أموالنا قد ضاعت، إن الله قد أعز الإسلام، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله الآية يرد علينا ما قلنا، فالتهلكة هي الإقامة على الأموال وإصلاحها والضن بها أن تنفق في سبيل الله.
وإذا كان الله - جَلَّ شَأْنُهُ - قد فضل المجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله على المجاهدين في سبيل الله بأموالهم فقط، فإنه وعد كلا الفريقين الحسنى {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ