لا نريد من وراء هذا البحث في هذا الموضوع أن نؤرخ للجانب المنحرف في العقيدة، فذلك ليس في مكنة الباحث لكثرة أنواع الانحراف، وما الفائدة من التأريخ للجانب المظلم والكفر ملة واحد! إنما مرادنا من وراء ذلك أن ندرك شيئاً مما وقعت فيه الأمم، كي نعلم القيمة العظيمة التي تمتاز بها العقيدة الإسلامية.
إنّ الذين يدركون الباطل ويعرفونه هم أقدر على معرفة الحقّ إذا اعتنقوه وإنّ الذين يتبعون الإسلام ولا يعلمون الجانب المقابل له، وهو الباطل يخشى عليهم من الانزلاق في طرق الباطل، وصدق عمر بن الخطاب حيث يقول:"توشك أن تنقض عُرى الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"، ولا شك أنّ الذي يعرف ظلام الليل أقدر على معرفة ضوء النهار، والصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.
وقد أدرك هذه الحقيقة سيد قطب حيث يقول:" الإنسان لا يدرك ضرورة هذه الرسالة، وضرورة هذا الانفكاك عن الضلالات التي كانت البشرية تائهة في ظلماتها، وضرورة الاستقرار على يقين واضح في أمر العقيدة ... حتى يطّلع على ضخامة ذلك الركام، وحتى يرتاد ذلك التيه، من العقائد والتصورات، والفلسفات والأساطير، والأفكار والأوهام، والشعائر والتقاليد، والأوضاع والأحوال، التي جاء الإسلام فوجدها ترين على الضمير البشري في كل مكان، حتى يدرك حقيقة البلبلة والتخليط والتعقيد التي كانت تتخبط فيها بقايا العقائد السماوية التي دخلها التحريف والتأويل، والإضافات البشرية إلى المصادر الإلهية والتي التبست بالفلسفات والوثنيات والأساطير ".
ونكتفي بثلاثة نماذج: واحد منها يمثل عقيدة دولة من الدول التي يعدها الناس متمدنة في القديم. والثاني انحراف أهل ديانة سماوية عن الحق. والثالث الوثنية العربية قبل عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.