للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَعْصِيَةٌ لِكَوْنِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ طَاعَةٌ وَلَيْسَ بِطَاعَةِ وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللهِ - عز وجل - بِمَا لَيْسَ بِطَاعَةِ هُوَ مَعْصِيَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ.

وَرَخَّصَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي السَّفَرِ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ كَمَا ذَكَرَ أَبُو حَامِدٍ فِي (الْإِحْيَاءِ) وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ عبدوس وَأَبُو مُحَمَّدٍ المقدسي، وَقَدْ رَوَى حَدِيثًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا تَنْزِعُهُ إلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، لَكِنَّهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَهُوَ مُضَعَّفٌ.

وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَبِمِثْلِهِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ» (١).

وقال الشيخ ابن باز: «لا يجوز السفر بقصد زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو قبر غيره من الناس في أصح قولي العلماء ... والمشروع لمن أراد زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو بعيد عن المدينة أن يقصد بالسفر زيارة المسجد النبوي فتدخل زيارة القبر الشريف وقبري أبي بكر وعمر والشهداء وأهل البقيع تبعًا لذلك.

وإن نواهما جاز؛ لأنه يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالًا، أما نية القبر بالزيارة فقط فلا تجوز مع شد الرحال.

أما إذا كان قريبًا لا يحتاج إلى شد رحال ولا يسمى ذهابه إلى القبر سفرًا، فلا حرج في ذلك، لأن زيارة قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - وقبر صاحبيه من دون شد رحال سُنَّة وقُرْبَة.

وهكذا زيارة قبور الشهداء وأهل البقيع، وهكذا زيارة قبور المسلمين في كل مكان سُنَّةٌ وقُرْبَة، لكن بدون شد الرحال، لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «زُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ» (٢).


(١) مجموع فتاوى ابن تيمية (٢٧/ ٢٦ - ٢٨).
(٢) مجموع فتاوى ابن باز (٨/ ٣٣٦). والحديث، رواه ابن ماجه بهذا اللفظ، وصححه الألباني، ورواه مسلم بلفظ: «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ».

<<  <   >  >>