لهم ومطهرًا لنفوسهم مما عرض لها من دنس الأخلاق الذميمة. أشعر الله أولئك القوم بسوء عاقبة الجبن والخوف والفشل والتخاذل بما أذاقهم من مرارتها، فجمعوا كلمتهم ووثقوا رابطتهم حتى عادت لهم وحدتهم قويّةً فاعتزوا وكثروا إلى أن خرجوا من ذل العبوديّة التي كانوا فيها إلى عز الإستقلال، فهذا معنى حياة الأمم وموتها -يموت قوم منهم باحتمال الظلم ويذل الآخرون حتى كأنّهم أموات، إذ لا تصدر عنهم أعمال الأمم الحية من حفظ سياج الوحدة وحماية البيضة بتكافل أفراد الأمة ومنعتهم، فيعتبر الباقون فينهضون إلى تدارك ما فات والاستعداد لما هو آت، ويتعلمون من فعل عدوهم بهم كيف يدفعونه، قال عليّ كرم الله وجهه: إن بقية السيف هي الباقية. أي التي يحيا بها أولئك الميتون، فالموت والإحياء واقعان على القوم في مجموعهم على ما عهدنا في أسلوب القرآن إذ خاطب بني إسرائيل في زمن تنْزيله بما كان من آبائهم الأولين بمثل قوله: {أنجيْناكم من آل فرْعون (١)}
وقوله:{ثمّ بعثناكم من بعْد موتكم} وغير ذلك، وقلنا: إن الحكمة في هذا الخطاب تقرير معنى وحدة الأمة وتكافلها وتأثير سيرة بعضها في بعض حتى كأنّها شخص واحد وكل جماعة منها كعضو منه، فإن انقطع العضو العامل لم يكن ذلك مانعًا من مخاطبة الشخص بما عمله قبل قطعه، وهذا الاستعمال معهود في سائر الكلام العربي، يقال: هجمنا على بني فلان حتى أفنيناهم أو أتينا عليهم، ثم أجمعوا أمرهم وكروا علينا (مثلاً). وإنما كر عليهم من