للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بقي منهم.

أقول: وإطلاق الحياة على الحالة المعنوية الشريفة في الأشخاص والأمم والموت على مقابلها معهود كقوله تعالى: {ياأيّها الّذين ءامنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم (١) وقوله: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها (٢)} الآية، وانظر إلى دقة التعبير في عطف الأمر بالموت على الخروج من الديار بالفاء الدالة على اتصال الهلاك بالفرار من العدو، إلى عطفه الاخبار بإحيائهم بثم الدالة على تراخي ذلك وتأخره، ولأن الأمة إذا شعرت بعلة البلاء بعد وقوعه بها وذهابه باستقلالها فإنه لا يتيسر لها تدارك ما فات، إلا في زمن طويل، فما قرره الأستاذ الإمام هو ما يعطيه النظم البليغ وتؤيده السنن الحكيمة، وأما الموت الطبيعي فهو لا يتكرر كما علم من سنة الله ومن كتابه إذ قال: {لا يذوقون فيها الموت إلاّ الموتة الأولى (٣)} وقال: {وأحْييتنا اثنتيْن (٤)}، ولذلك أوّل بعضهم الموت هنا بأنه نوع من السكتة والاغماء الشديد لم تفارق به الأرواح أبدانها، وقد قال بعدما قرره: هذا هو المتبادر فلا نحمّل القرآن مالا يحمل لنطبقه على بعض قصص بني إسرائيل، والقرآن لم يقل إن أولئك الألوف منهم كما قال في الآيات الآتية وغيرها، ولو فرضنا صحة


(١) سورة الأنفال، الآية: ٢٤.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١٢٢.
(٣) سورة الدخان، الآية: ٥٦.
(٤) سورة غافر، الآية: ١١.

<<  <   >  >>