وقال ابن المناصف المراكشي المالكي (المتوفى سنة ٦٢٠ هـ) في تنبيه الحكام على مآخذ الأحكام (٣٢٥ - ٣٢٦): وكذلك ينبغي للقضاة أو الحكام البحث والكشف عما اشتهر ذكره من المناكر، وعرف بالجملة ظهوره وانتشاره، وأنس الناس به، كاتخاذ النساء في السرور والحزن والمآتم، يجتمعن لأنواع الملاهي والمناكر في الديار والمحلات، وبعض الشوارع والحمامات، وما أشبه ذلك، وكذلك الفحص عمن شهر بالفساد من بيع الخمر، وجمع الفساق، ومتخذي الديار المعدة لذلك، وكالملهين بما لا يحل، وأهل صنائع المنكر ونحوهم، ممن يتصف بإدمان المعاصي في ذلك، وارتكاب المحظور بالإعانة، ومن هو كالآلة لوقوع المنكر على يديه. ففي مثل هؤلاء يجب اجتهاد الولاة والفحص في ذلك وارتكابه عنهم، وتفقد مظان ذلك منهم، واستعمال الحد في ردعهم، واستيلاء القهر والإخافة عليهم، وإذا ظهروا من ذلك على ما يوجب العقوبة والتنكيل فعلوه بهم على أعين الناس، ففي ذلك إن شاء الله ردع لظهور المنكر، وتطهير لمواضع الفساد، وإظهار لشعائر الإسلام. فواجب الآن على الحكام الابتداء بالكشف والبحث في مثل هؤلاء، لأن الشر والفساد قد كثر جدا وانتشر، وتحقق صحة كون ذلك مشتهرا في المواضع. فلا ينبغي للقاضي التهاون به وترك القيام فيه حتى يرفع إليه، إذ قد لا يرفعه أحد، لما أنس الناس اليوم من كثرته، واعتادوا من ملازمته، حتى لا يكاد أحد ينكره، فإهمال البحث عن ذلك مؤد إلى استمراره واستدامته مع قلة القيام به.
وليس ابتداء البحث في مثل هذا محظورا من جهة أنه يظن من قبيل التجسيس، بل هذا هو الواجب إن شاء الله تعالى ههنا، لأن البحث والكشف إنما يكون تجسيسا محظورا فيمن استتر ولم يشتهر عنه ذلك بكثرة الظهور عليه، أو اتخاذه ذلك المنكر كسبا ودأبا حتى عاد