فكل ما يتعلق بالحياة العامة سواء في التجارة أو الأكرية أو البيع والشراء والرهن أو أحكام الصناعة والشركة والهبة والإفلاس والوكالة والكفالة والحوالة كتحويل الديون بالشيكات ونحوها والقضاء والشهادة ونحو ذلك خصص لها المالكية بحوثا مطولة وتفصيلات مسهبة، فيما بحثوا أحكام السياسة والإمارة في كتب خاصة. إنها منظومة قانونية وتشريعية شاملة لكافة مجالات الحياة البشرية وليست خاصة بالمسجد كما يقول العلمانيون.
[إنكار المالكية للحرية بمفهومها العلماني]
نقف مع نصين هامين يبرزان وعيا واضحا لعلماء المغرب لمسألة هي لب العلمانية وجوهرها: الحرية المطلقة. التي تهدف إلى التحرر من الأديان والثوابت والأعراف الاجتماعية والمطلقات:
طرحت إشكالية «حرية العقيدة في المغرب» من طرف اليهودي الإنجليزي السير موسى مونتفيوري، إذ وفد على المغرب عام ١٢٨٠/ ١٨٦٤، وحظي بمقابلة السلطان محمد الرابع وطلب منه الحرية ليهود المغرب.
فبحث المسألةَ العلامةُ الناصري في الاستقصا (٣/ ١١٤ - ١١٥) وانتقد بشدة الحرية المطلقة التي تهدف إلى التحرر من جميع الضوابط وتتجاوز الأديان والأعراف. قال: واعلم أن هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعا لأنها تستلزم إسقاط حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الإنسانية رأسا. أما إسقاطها لحقوق الله فإن الله تعالى أوجب على تارك الصلاة والصوم وعلى شارب الخمر وعلى الزاني طائعا حدودا معلومة، والحرية تقتضي إسقاط ذلك كما لا يخفى. وأما إسقاطها لحقوق الوالدين فلأنهم خذلهم