فوزنه ومازال يزنه بعشرة بعد عشرة حتى قال والله لو وزنته بأمته لوزنها ثم قبلا رأسه وبين عينيه وقالوا يا حبيب الله لم ترع انك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك قال صلى الله عليه وآله وسلم فما هو الا أن وليا عني فكأنما أرى الأمر معاينة* وفي الخامسة أو في مستهل السادسة ردته حليمة الى أمه والذي حملها على رده بعد ان كانت حريصة على اقامته معها ما تخوفت عليه حين شق صدره وما حكي أيضا أن نفرا من نصارى الحبشة رأوه معها فسألوها اياه ليذهبوا به معهم لما تعرفوا منه من العلامات البينات. وفي السادسة خرجت به أمه الى أخواله بنى عدى بن النجار تزيره إياهم واقاما فيهم شهرا قال صلى الله عليه وآله وسلم أحسنت العوم والسباحة في بئر بني عدى بن النجار فكان يهود المدينة يختلفون اليه ويتعرفون منه علامات النبوة ثم رجع الى مكة فتوفيت أمه بالابواء وتقدم قول ان أباه أيضا مات بها.
[مطلب في الكلام على إحياء الله تعالى له أبويه حتى آمنا به]
وورد حديث في إسناده مقال أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل ربه أن يحيى أبويه فأحياهما له وآمنا به والاحاديث الصحيحة مصرحة بنفي ذلك قيل والجمع بينهما ان حديث الاحياء متأخر عن تلك الاحاديث ولله أن يتحف نبيه ما شاء والله أعلم* وفي السابعة وقيل في الثامنة هذا على سبيل المجاز والمراد زن قدره عند ربه وكرامته لديه بمقادير عشرة الى آخره أي قابل بين قدره وبين اقدارهم (فوزنهم) أي فكان قدره عند ربه أرجح من اقدار جميع الامة بل جميع الخلق وفي الخامسة (ان نفرا) بفتح الفاء والنفر عدة رجال من ثلاثة الى عشرة قاله الجوهري سموا بذلك لانهم اذا حزبهم أمر اجتمعوا ثم نفروا الى عدوهم. قال الواعي ولا تقول العرب عشرون نفرا ولا ثلاثون نفرا (لما) بكسر اللام وتخفيف الميم (تعرفوا) بالفوقية فالمهملة المفتوحة فالراء المشددة والتعرف المعرفة وفي السادسة (عدي) بالاهمال (النجار) سمي بذلك لانه اختتن بالقدوم وفيه لانه ضرب وجه رجل بقدوم فنحره (العوم والسباحة) هما مترادفان وقد يؤخذ منه ندب تعلم ذلك* ذكر ايمان أبوي النبي صلى الله عليه وسلم (وروي في حديث) ذكره السهيلي في الروض الانف من حديث عائشة (وفي اسناده مقال) أي فيه مجهولون قال السهيلي ولعل الحديث يصح ان شاء الله تعالى والله قادر على كل شيء ولا تعجز رحمته عن شيء ونبيه صلى الله عليه وسلم أهل ان يخصه بما شاء من فضله وكرامته ولكن الذي ثبت في الحديث الصحيح يعارضه انتهي* وقال الفخر الرازي في التفسير ان آباء النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا كفارا لقوله تعالى وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ولقوله لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات ولقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فوجب ان لا يكون أحد من آبائه مشركا نجسا لوصفه صلى الله عليه وسلم لهم بالطهارة انتهى وعليه فالجواب عن حديث ان أبي وأباك في النار ان المراد أبو طالب لان العرب تطلق على العم أبا مجازا وقال السخاوي وقول من قال ان آباء النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا كفارا لعل المراد به الخصوص لا العموم أي غالبهم فان آزر أبا ابراهيم من عموم آبائه صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ