فكان يخلو بغار حراء قيل كانت عبادته فيه الفكر وقيل الذكر وهو الصحيح واختلفوا بأى الشرائع كان يدين تلك الايام فقيل بشريعة نوح وقيل ابراهيم وهو الظاهر وقيل موسى عليهم السلام وقيل غير ملتزم شريعة أحد وهو المختار لظاهر قوله تعالى (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) ولخلوه من دلائل العقل والنقل والاجماع كما أفهمه كلام الامام النووى رحمه الله تعالى واتفقوا انه صلى الله عليه وآله وسلم لم يعبد صنما ولم يقارف شيئا من قاذورات الجاهلية وكذلك الانبياء عليهم السلام جملة معصومون من الكفر والكبائر قبل النبوة وبعدها من الصغائر أيضا عند المحققين. ومما هداه الله اليه فطرة وبديهة من مناهج الهدى قبل النبوة وقبل سماع الصوت والنداء ما روى في صحيح الاخبار ان قريشا خالفت الناس في موقف عرفات وكانوا يقفون بالمشعر الحرام ويقولون نحن أهل الحرم وقطانه لا نخرج منه وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخالفهم ويقف مع الناس بعرفات على مناسك ابراهيم وكانت الاحجار تسلم عليه قبل النبوة وتناديه بالرسالة كما في صحيح الاخبار انى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم على قبل ان أبعث اني لا عرفه الآن غزوة تبوك مقبلا الى المدينة* وفي سنة ثمان وثلاثين (قيل كانت عبادته) بالفتح خبر كان والفكر اسمها ويجوز عكسه (الفكر) نقله الحافظ ابن حجر عن بعض المشايخ من غير تسمية (وقيل الذكر) وهذا هو الصحيح عند الجمهور وقيل اطعام من يرد عليه من المشركين كما في رواية عتبة بن عمير عند ابن اسحاق (فقيل بشريعة نوح) أي لكونه أوّل أولى العزم (وقيل ابراهيم) يؤيده ما في سيرة ابن هشام فيتحنف بالفاء بدل يتحنث أى يتبع الحنيفية وهي دين ابراهيم (ولم يقارف شيئا) هو بمعنى يقترف والاقتراف الاكتساب ويأتي في الخير والشر قال تعالى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً ولمن أراد الزنا ونحوه مما يكون فيه المعصية من اثنين كانت المفاعلة على بابها (ومن الصغائر أيضا عند المحققين) من الاصوليين وغيرهم فاعتقاد ذلك واجب* وعن قصة آدم وداود واخوة يوسف أى على القول بنبوتهم أجوبة ذكرها عياض في الشفا ومعصومون أيضا من المكروه كما جزم به غير واحد الا لمعنى كتبيين الجواز لندرة وقوعه من الاتقياء فكيف من الانبياء (فطرة) هي الخلقة (وبديهة) بالموحدة والمهملة بوزن عظيمة أي قبل التعلم والوحي قال صاحب القاموس البديهة أوّل كل شئ وما يفجأ منه وبادهه به مبادهة وبداها فاجاه به ولك البديهة أي لك أن تبدأ (من مناهج) جمع منهج ومنهاج وهو الطريق الواضح (اني لأعرف حجرا الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم والترمذي من حديث جابر بن سمرة قال النووى ففيه معجزة له وفيه اثبات التمييز في بعض الجمادات وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقوله تعالى وان من شىء الا يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وفي هذه الآية خلاف مشهور والصحيح انه يسبح حقيقة ويجعل الله فيه تمييزا يحس به كما ذكرنا ومنه الحجر الذي فر بثوب موسى