المسلمين للانتماء إلى الدين الجديد أو إلى أية عقيدة أو دين، أمر يرفضه واقع (التجربة) في أبعادها الشاملة الرحيبة، فلم يكن البحث عن (الحق) والتشبث في الانتماء إليه، أمر معدة تبحث عن طعامها وجسد يرنو إلى الإشباع، بقدر ما هي مسألة نفسية متكاملة يلعب فيها الظمأ الروحي واليقين الفكري والقناعة الذاتية دورها الأول والأخير، بحيث أن سائر الأمور الآخرى الحسّية والجسدية بقيت (ثانوية) بالنسبة لهذه العوامل الأساسية.
هذا على المستوى النفسي، أما على المستوى التاريخي، فإن هذا المقياس (المادي) الذي أخذ يشيع في العقود الأخيرة، كإسقاط معاصر على الوقائع التاريخية الماضية، سرعان ما يتهافت بمجرد إلقاء نظرة متأنية على قوائم المسلمين الأول الذين كان أكثرهم- كما يقول صالح العلي- من التجار ورجال الطبقة الوسطى، وممن كانت لهم عشائر تحميهم وتدفع عنهم، بل حتى وجود الحلفاء والمستضعفين في الإسلام، لا ينهض دليلا على صحة هذا الرأي. إذ أن هؤلاء نالوا كثيرا من الاضطهاد بسبب عقائدهم، ومنّوا بكثير من الآمال إذا تركوه، فرفضوا وأصرّوا على التمسك بالدين الجديد، مما يدل على أن دافع العقيدة هو الذي كان يدفعهم إلى اعتناق الإسلام. والواقع أن الروايات أشارت صراحة إلى دوافع بعضهم، فعثمان بن مظعون كان من قبل ظهور الإسلام من الباحثين عن الدين، وسعيد بن زيد بن عمرو وهو ابن الرجل الذي كان حنيفيا يبحث عن دين إبراهيم، وخالد بن سعيد بن العاص اعتنق الإسلام لأنه رأى نفسه في المنام على حافة هاوية من النار يدفعه إليها أبوه، ويدفعه عنها رجل آخر لينقذه منها، ويمكن تفسير ذلك بانشغال عقله الباطن في الأمور الدينية واعتناقه الإسلام لاعتقاده بأن فيه المنجى والمخلص، أما عمر بن الخطاب الذي أسلم بعد هذه الفترة فقد أسلم لتأثره من سماعه آيات القرآن ومن رؤيته أخته تتأذى «١» .
ترى! كم من المسلمين قادتهم إلى الإسلام تلك (الهزة الوجدانية) التي أحدثتها آيات القرآن الكريم الساحرة المعجزة وهي تتلى عليهم، فتغسل ضمائرهم وتزيل رين قلوبهم، وتعيد ألق الذكاء إلى عقولهم، ونور اليقين إلى بصائرهم وأفئدتهم؟ وهل بعد هذه (الهزة) الشاملة التي تنقل الإنسان من حال إلى حال، تفكير (منفعي) محدود في أمعاء تمتلىء طعاما، وجيوب تفيض فضة وذهبا؟! ما