للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ورَوَى الحَاكِمُ في تَاريِخِهِ بإِسْنَادِهِ عَنْ أَبي قُدَامَةَ عَن النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ قَالَ: سُئِلَ الخَلِيلُ عَنْ مَسأَلَةٍ فَأَبْطَأَ بالْجَوَابِ فِيهَا، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا في هَذِه الْمَسْألَةِ كُلُّ هَذَا النَّظَر، قَالَ: "فَرَغْتُ مِن الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابهَا، وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجيبَك جَوَابًا يَكُونُ أَسْرَعَ إلَى فَهْمِكَ"، قَالَ أَبُو قُدَامَةَ: فَحَدَّثتُ بهِ أَبَا عُبَيْدٍ فَسُرَّ به (١).

ومن هذا الباب قولُ أبي هريرة - رضي الله عنه -: "حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين: فأمَّا أحدهما فبثثتُهُ، وأما الآخر فلو بثثتُه قُطع هذا البُلْعُوم" (٢).

والبُلْعُوم:- بضم الموحدة- مجرى الطعام، وقد كنَّى بذلك عن القتل.

وفي رواية: "لَقُطِعَ هذا" يعني: رأسه. وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثَّه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يَكْنِي عن بعضه، ولا يُصرِّح به خوفًا على نفسه منهم؛ كقوله: "أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان"، يُشير إلى خلافة يزيد بن معاوية؛ لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، وكان يقول - رضي الله عنه -: "اللهمَّ لا تدركني سنة ستين، ولا إمارة الصبيان" (٣)، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة (٤).


(١) "الآداب الشرعية" (٣/ ١٥٦).
(٢) رواه البخاريّ رقم (١٢٠) (١/ ٢٦١ - فتح).
(٣) لأن يزيد كان غالبًا ينتزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار، وُيوَلِّيها الأصاغر في أقاربه. انظر: "الفتح" (١٣/ ١٢، ١٣).
(٤) "فتح الباري" (١/ ٢٦١).

<<  <   >  >>