فقد ندد - رحمه الله تعالى- بمن تستخفه البُداءات وعوارضُ الشبهات، فقال فيمن هذا شأنه:" ... هذا دليلُ ضعفِ عقله ومعرفتِه؛ إذ تؤثر فيه البُداءات، ويُستفز بأوائل الأمور، بخلاف الثابت التام العاقل، فإنه لا تستفزه البُداءات، ولا تزعجه وتقلقه، فإن الباطل له دهشةٌ وروعة في أوله، فإذا ثبت له القلبُ؛ رُدَّ على عقبيه، والله يحب مَن عنده العلم والأناة، فلا يعجل، بل يثبت حتى يعلم، ويستيقنَ ما ورد عليه، ولا يعجل بأمرٍ مِن قبلِ استحكامه، فالعجلة والطيش من الشيطان، فمن ثبت عند صدمة البُداءات؛ استقبل أمره بعلم وحَزْم، ومن لم يثبت لها؛ استقبله بعجلةٍ وطيش، وعاقِبتُه الندامةُ، وعاقبةُ الأولِ حَمْدُ أمرِه، ولكن للأول آفة متى قُرِنت بالحزم والعزم نجا منها؛ وهي: الفَوْتُ، فإنه لا يُخاف من التثبت إلا الفَوْتُ، فإذا اقترن به العزم والحزم؛ تم أمره، ولهذا في الدعاء الذي رواه الإِمام أحمد والنسائي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، والعَزِيْمَةَ عَلَى الرُّشْدِ" (١).
(١) أخرجه من حديث شداد بن أوس - رضي الله عنه - الطبراني في "الكبير" (٧/ ٣٣٥، ٣٣٦)، وأبو نعيم في "الحلية" (١/ ٢٦٦)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (١٦/ ١٢٧)، وقال الألباني: "إسناده جيد، رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف لا يضر". اهـ. من "الصحيحة" رقم (٣٢٢٨)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط بطرقه كما في "الإحسان" (٥/ ٣١١، ٣١٢).