كلامه عندهم إلا ما يحدث في النفوس من المعقولات والتخيلات، وهذا معنى تكليمه لموسى عليه السلام عندهم، فعاد التكليم إلى مجرد علم المكلم، ثم إذا قالوا مع ذلك: أنه لا يعلم الجزئيات، فلا علم ولا أعلام، وهذا غاية التعطيل والنقص، وهم ليس لهم دليل قط على قدم شيء من العالم، بل حججهم إنما تدل على قدم نوع الفعل، وأنه لم يزل الفاعل فاعلاً أو لم يزل لفعله مدة؛ أو أنه لم يزل للمادة مادة. وليس في شيء من أدلتهم ما يل على قدم الفلك، ولا قدم شيء من حركاته؛ ولا قدم الزمان الذي هو مقدار حركة الفلك. والرسل أخبرت بخلق الأفلاك وخلق الزمان الذي هو مقدار حركتها، مع إخبارها بأنها خلقت من مادة قبل ذلك، وفي زمان قبل هذا الزمان؛ فإنه سبحانه أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، وسواء قيل: أن تلك الأيام بمقدار هذه الأيام المقدرة بطلوع الشمس وغروبها؛ أو قيل: أنها أكبر منها كما قال بعضهم: إن كل يوم قدره ألف سنة، فلا ريب أن تلك الأيام التي خلقت فيها السموات والأرض غير هذه الأيام، وغير الزمان الذي هو مقدار حركة هذه الأفلاك. وتلك الأيام مقدرة بحركة أجسام موجودة قبل خلق السموات والأرض.
وقد أخبر سبحانه أنه {استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض: ائتيا طوعاً أو كرهاً! قالتا: أتينا طائعين} فخلقت من الدخان وقد جاءت الآثار عن السلف أنها خلقت من بخار الماء؛ وهو الماء الذي كان العرش عليه، المذكور في قوله:{وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} ، فقد أخبر أنه خلق السموات والأرض في مدة ومن مادة،