ولم يذكر القرآن خلق شيء من لا شئ، بل ذكر أنه خلق المخلوق بعد أن لم يكن شيئاً، كما قال:{وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً} ، مع إخباره أنه خلقه من نطفة.
وقوله:{أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون؟} فيها قولان.
فالاكثرون على ان المراد أم خلقوا من غير خالق بل من العدم المحض؟ كما قال تعالى:{وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه} ، وكما قال تعالى:{وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} ، وقال تعالى:{وما بكم من نعمة فمن الله} .
وقيل: أم خلقوا من غير مادة؟ وهذا ضعيف، لقوله بعد ذلك:{أم هم الخالقون؟} ، فدل ذلك على أن التقسيم أم خلقوا من غير خالق، أو هم الخالقون؟ ولو كان المراد من غير مادة لقال: أم خلقوا من غير شيء، أو من ماء مهين؟ فدل على أن المراد أنا خالقهم لا مادتهم.
ولأن كونهم خلقوا من غير مادة ليس فيه تعطيل وجود الخالق، فلو ظنوا ذلك لم يقدح في ايمانهم بالخالق بل دل على جهلهم، ولأنهم لم يظنوا ذلك ولا يوسوس الشيطان لابن آدم بذلك، بل كلهم يعرفون أنهم خلقوا من آبائهم وأمهاتهم، ولأن اعترافهم بذلك لا يوجب إيمانهم ولا يمنع كفرهم، والاستفهام استفهام انكار مقصوده تقريرهم أنهم لم يخلقوا من غير شيء، فإذا أقروا بأن خالقاً خلقهم نفعهم ذلك، وأما إذا أقروا بأنهم خلقوا من مادة لم يغن
ذلك عنهم من الله شيئاً.
(الوجه الخامس عشر) : أن الإقرار بأن الله لم يزل يفعل ما يشاء ويتكلم بما