قلت: هنا نزاع لفظي ونزاع معنوي، أما اللفظي، فهو أنه إذا قدر تسلسل الحوادث في الماضي وعدم انقطاعها وأنها لا أول لها، فهل يعبر عن هذا بأن يقال: لا نهاية لها، أو يقال: لا بداية لها، ولا يقال لا نهاية لها؟ فالمستدل عبر بأنه لا نهاية لها، والمعترض أنكر ذلك، وهذا نزاع لفظي. وذلك أنه يقال: هذا غير متناه، بمعنى أنه ليس له حد محدود، وقال يقال " غير متناه " بمعنى أنه لا آخر له، ويقال " هذا له نهاية " أي: له آخر، وهذا لا نهاية له " أي: لا آخر له، والحوادث الماضية إذا قدر أنها لم تزل، فإنه يقال " لا نهاية لها " بالمعنى الأول، وأما بالمعنى الثاني: فقد انقضت وانصرمت ولها آخر.
حجة أخرى للرازي واعترض الأموري عليها: وهذه الحجة اعتمد عليها أكثر المتكلمين كأبي المعالي ومن قبله وبعده من المعتزلة والأشعرية، وذكروا أنه اعتمد عليها يحيي النحوي وغيره من المتقدمين وظنوا أن ما لا يتناهى يمتنع أن يكون منقضياً منصرماً، فإن ما انقضى وانصرم فقد تناهى، فكيف يقال: إنه لا نهاية له؟ واشتبه عليهم لفظ " النهاية " لما فيه من الإجمال والاشتباه، فإن الماضي له آخر انتهى إليه، فهو منتهاه بهذا الاعتبار، فلا نزاع، وبهذا المعنى يقال: إنه انصرم وانقضى، وفرغ ونفد، وأما بالمعنى المتنازع فيه فهو انه لا بداية له: أي لم تزل آحاده متعاقبة.
وأما النزاع المعنوي فهو أنه: هل يعقل انقضاء ما يقدر أنه لا بداية له ولا ينتهي من جهة مبدئه أولا؟ المستدل لم يذكر دليلا على امتناع انقضاء ذلك، لكن أخذ لفظ " ما لا يتناهى " وفيه إجمال، فقد يعني به ما لا يتناهى في المستقبل من جهة آخره، فإذا قيل: " إن هذا ينقضي " كان ذلك جمعاً بين النقيضين،