(٢) كثير من علماء أهل السنة وطلبة العلم من محبي شيخ الإسلام لا يكادون يتجاوزون كلامه في الفقه والتفسير والحديث إلى ما كتبه في الرد على الفلاسفة والمناطقة وأهل الكتاب والمتكلمين، وإنما ظهر الاهتمام بهذه المخالفات منذ زمن قريب على يد طلاب الدراسات العليا بالجامعات. (٣) انظر تعليق الشيخ الألباني - رحمه الله - في السلسة الصحيحة وقد أوردته الباحثة الفاضلة هنا ص١٦٧. وللشيخ رحمه الله تعليق آخر على متن العقيدة الطحاوية ص٥٣ طبعة المكتب الإسلامي الثانية هذا نصه (قلت ذكر الشارح هنا أن العلماء اختلفوا هل القلم أول المخلوقات، أو العرش؟ على قولين لا ثالث لهما وأنا وإن كان الراجح عندي الأول، كما كنت صرحت به في تعليقي عليه فإني أقول الآن: سواء كان الراجح هذا أم ذاك، فالاختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء اتفقوا على أن هناك أول مخلوق، والقائلون بحوادث لا أول لها، مخالفون لهذا الاتفاق، لأنهم يصرحون بأن ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق، وهكذا إلى ما لا أول له، كما صرح بذلك ابن تيمية في بعض كتبه، فإن قالوا: العرش أول مخلوق، كما هو ظاهر كلام الشارح، نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الاتفاق! فتأمل هذا فإنه مهم والله الموفق) اهـ. وبالرجوع إلى أصل كلام الشارح نجد: - ١- إنه قال (على قولين ذكرهما الحافظ أبوالعلاء ... ..) فجمله " لا ثالث لهما " من كلام الشيخ ناصر. ٢- أنه لم يقل إن العرش أول مخلوق بل قال (أصحهما أن العرش قبل القلم) . ٣- أن هذا الكلام إنما هو في الفقرة الخاصة بالإيمان باللوح والقلم أما في الفقرة التي تعرض فيها الشارح للموضوع نفسه أي هل للحوادث أول فكلامه صريح في التقييد بهذا العالم المشهود لا جنس المخلوقات وذلك في جمل كثيرة منها: - أ - قوله (واختلفوا في أول هذا العالم ما هو) ب - قوله عن حديث كتابة المقادير (فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن تقدير هذا العالم المخلوق في ستة أيام كان قبل خلقه السموات بخمسين الف سنة) .
ج - قوله عن حديث عمران بن حصين (وقد أجابهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بدء هذا العالم المشهود لا عن جنس المخلوقات ". وأوضح من هذا كله وأهم أن الشارح إنما نقل كلامه عن شيخ الإسلام من منهاج السنة ١/٣٦٠-٣٦٢ والشيخ أجل من أن يتناقض بل صرح بأن المراد هو هذا العالم لا جنس الخلق. وإنما أوردنا هذا لأن شبهة أهل البدع في تكفير شيخ الإسلام أو تضليله هي دعوى مخالفة الإجماع وربما اعتضدوا بكلام الشيخ الألباني - رحمه الله - كما فعل السقاف. ويبدو لي أن الشيخ الألباني لم يقرأ كلام شيخ الإسلام فهو يحيل عموماً إلى كتبه عموماً وأجزم أنه لو قرأه مع ما أوتي من التجرد ودقة الفهم لأقره وأيده لا سيما شرحه حديث عمران بن حصين. وعلى أي حال فالشيخ الألباني نقل ص٤١ من الكتاب نفسه قول الشارح (أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء. وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديماً وهذا المأثور عن أئمة السنة والحديث) وقد أقر الشيخ هذا القول وهو حق وهذا بعينه قول شيخ الإسلام عن صفة الخلق فنوع المخلوقات قديم قدم نوع الكلام وإن لم يكن شي من المخلوقات المعينة قديماً ومخلوقاته هي أثر كلماته قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} وقال {ألا له الخلق والأمر} فمن سلم بمذهب أهل السنة في الكلام فليسلم بكلامهم في الخلق كما ذكره شيخ الإسلام مؤيداً كلامه بأقوال أئمة السنة فيه كالإمام أحمد والبخاري وابن المبارك والدارمي ومن قبلهم من الصحابة والتابعين. ومما يجلي ذلك ان شيخ الإسلام قد نص على أن أشباه النوع بالعين وقع لكثير من الناس في الخلق كما وقع في الكلام انظر (مجموع الفتاوى ١٢/١٨٤-١٩١و١٥٤-١٥٧ وكذلك منهاج السنة ١/١٩٥ وغيرها) . والشيخ الألباني - رحمه الله - لم يقع له الاشتباه في الكلام بل نقل قول الشارح كما ذكرنا عارفاً بمضمونه مقراً له لكن وقع له الاشتباه في الخلق كما رأيت فلعل الشيخ زهيراً الشاويش الذي أعد الكتاب وقدم له يستدرك هذا.