حدثت شيئاً بعد شيء من غير أن يتجدد من المبدع الأول ما يوجب أن يصير علة للحوادث المتعاقبة بل حقيقة قولهم إن الحوادث حدثت بلا محدث وكذلك عدمت بعد حدوثها من غير سبب يوجب عدمها على أصلهم، وهؤلاء قابلهم طوائف من أهل الكلام ظنوا أن المؤثر التام يتراخى عنه أثره وأن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح وأن الحوادث لها ابتداء وقد حدثت بعد أن لم تكن بدون سبب حادث.
ولم يهتد الفريقان للقول الوسط وهو أن المؤثر التام مستلزم أن يكون أثره عقب تأثيره لا مع التأثير ولا متراخياً عنه كما قال تعالى {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون}
فهو سبحانه يكون كل شيء فيكون عقب تكوينه لا مع تكوينه في الزمان ولا متراخياً عن تكوينه كما يكون الانكسار عقب الكسر والانقطاع عقب القطع ووقوع الطلاق عقب التطليق لا متراخياً عنه ولا مقارناً له في الزمان (١) .
ومعنى هذا صراحة أن ابن تيمية لا يقول بمقارنة العالم لله حتى يكون قديماً معه كما يقول الفلاسفة ولا يقول بتراخيه عنه في الزمان حتى يكون متراخياً عنه كما يقول المتكلمون، بل يرى أنه متصل به بمعنى أنه حاصل عقب إرادته له وهو سبحانه مستتبع له استتباع المؤثر لأثره.
اعتراضات الفلاسفة على المتكلمين:
الفلاسفة القائلون بقدم العالم اعترضوا على المتكلمين القائلين بحدوثه، والمانعين لتسلسل الآثار في الماضي باعتراضين: