فتبين أن الفلاسفة أشد تناقضاً من المتكلمين، وأنهم ما ألزموا المتكلمين بشيء إلا وفي مذهبهم ما هو أشد إلزاماً لهم.
وأما عن النصيحة التي وجهها ابن تيمية رحمه الله إلى المتكلمين؛ فقد وجهها على لسان مثبتي قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى، وهي نصيحة مشتملة على نقد ضمني، فكأنه يقول لهم من خلاله: لو أثبتم قيام أفعال الله الاختيارية به جل وعلا لما جرى عليكم ما جرى، ولتخلصتم من المأزق الذي أوقعتم أنفسكم فيه بنفيكم قيام هذه الأفعال بالله دجل وعلا. يقول شيخ الإسلام رحمه الله:" قال هؤلاء المثبتة لقيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى: وعلى أصلنا يبطل كلام الفلاسفة؛ فإنه يقال لهم: أنتم تجوزون قيام الحوادث بالقديم؛ إذ الفلك قديم عندكم، والحركات تقوم به، وتجوزون حوادث لا أول لها وتعاقب الحركات على الشيء لا يستلزم حدوثه وإذا كان كذلك: فلم يجوز أن يكون الخالق للعالم له أفعال اختيارية تقوم به يحدث بها الحوادث، ولا يكون تسلسلها وتعاقبها دليلاً على حدوث ما قامت به "
وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله أن قول المتكلمين بترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بلا مرجح سبب استطالة الفلاسفة والملاحدة عليهم.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله مخاطباً المتكلمين: " أنتم تقولون: إن الرب كان معطلاً في الأزل، لا يتكلم ولا يفعل شيئاً، ثم أحدث الكلام والفعل بلا سبب حادث اصلاً، فلزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بلا مرجح. وبهذا استطالت عليكم الفلاسفة - وخالفتم أئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة في ذلك - وظننتم أنكم أقمتم الدليل على حدوث العالم بهذا؛ حيث ظننتم أن ما لا يخلو