للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعدمه، ولا يكون كذلك إلا ما كان محدثاً، والفلك عندهم ليس بممكن بل هو قديم لم يزل وحقيقة قولهم أنه واجب لم يزل ولا يزال.

فلهذا لا يوجد في عامة كتب الكلام المتقدمة القول بقدم العالم، إلا عمن ينكر الصانع، فلما أظهر من أظهر من الفلاسفة كابن سينا وأمثاله أن العالم قديم عن علة موجبة بالذات قديمة، صار هذا قولا آخر للقائلين بقدم العالم أزالوا به ما كان يظهر من شناعة قولهم من إنكار صانع العالم، وصاروا أيضاً يطلقون ألفاظ المسلمين من انه مصنوع ومحدث ونحو ذلك، ولكن مرادهم بذلك أنه معلول قديم أزلي لا يريدون بذلك، أن الله أحدث شيئاً بعد ان لم يكن، وإذا قالوا: ان الله خالق كل شيء، فهذا معناه عندهم؛ فصار المتأخرون من المتكلمين يذكرون هذا القول، والقول المعروف عن أهل الكلام في معنى حدوث العالم الذي يحكونه عن أهل الملل كما تقدم، كما يذكر ذلك الشهرستاني والرازي والآمدي وغيرهم.

وهذا الأصل الذي ابتدعه الجهمية ومن اتبعهم من أهل الكلام من امتناع دوام فعل الله، وهو الذي بنوا عليه أصول دينهم، وجعلوا ذلك أصل دين المسلمين، فقالوا: الأجسام لا تخلو من الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث، لأن ما لا يخلو عنها ولا يسبقها يكون معها أو بعدها، وما كان مع الحوادث أو بعدها فهو حادث.

وكثير منهم لا يذكر على ذلك دليلاً لكون ذلك ظاهراً (١) ، إذ لم يفرقوا بين


(١) ... وانظر درء التعارض (١/٣٠٣) .

<<  <   >  >>