نوع الحوادث وبين الحادث المعين، لكن من تفطن منهم للفرق، فإنه يذكر دليلاً على ذلك بأن يقول: الحوادث لا تدوم بل يمتنع وجود حوادث لا أول لها، ومنهم من يمنع أيضاً وجود حوادث لا آخر لها، كما يقول ذلك إماما هذا الكلام: الجهم بن صفوان وأبو الهذيل.
ولما كان حقيقة هذا القول ان الله سبحانه لم يكن قادراً على الفعل في الأزل؛ بل صار قادراً على الفعل بعد أن لم يكن قادراً عليه؛ كان هذا مما أنكره المسلمون على هؤلاء، حتى انه كان من البدع التي ذكروها: من بدع الأشعري في الفتنة التي جرت بخراسان لما اظهروا لعنة أهل البدع، والقصة مشهورة.
فيقال " لأرسطو واتباعه " ممن رأى دوام الفاعلية ولوازمها: العقل الصريح لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم: لا فلك ولا غيره؛ وإنما يدل على أن الرب لم يزل فاعلاً. وحينئذ فإذا قدر أنه لم يزل يخلق شيئاً بع شيء كان كل ما سواه مخلوقاً محدثاً مسبوقاً بالعدم، ولم يكن من العالم شيء قديم، وهذا التقدير ليس معكم ما يبطله فلماذا تنفونه؟ !
وإذا كان مدلول الدليل العقلي انه لابد أنه قديم تقوم به الأفعال شيئاً بعد
شيء، فهذا إنما يناقض قول المبتدعة من أهل الملل الذين ابتدعوا الكلام المحدث - الذي ذمه السلف والأئمة - الذين قالوا: إن الرب لم يزل معطلاً عن الفعل والكلام. فصار ما علمته العقلاء من أصناف الأمم من الفلاسفة وغيرهم بصريح المعقول هو عاضد وناصر لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - على من ابتدع في ملته ما يخالف أقواله.