للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حتى قالوا: إن الله لم يزل لا يفعل شيئاً ولا يتكلم بمشيئة، ثم حدث ما حدث من غير تجدد سبب حادث، وزعموا دوام امتناع كون الرب متكلماً بمشيئته ثم حدث ما حدث من غير تجدد سبب حادث وزعموا دوام امتناع كون الرب متكلماً بمشيئته فعالاً لما يشاء؛ لزعمهم امتناع دوام الحوادث ثم صار أئمتهم كالجهم بن صفوان وأبي الهذيل العلاف إلى امتناع دوامهما في المستقبل والماضي، فقال الجهم: بفناء الجنة والنار، وقال أبو الهذيل: بفناء حركاتهما، وأنهم يبقون دائماً في سكون، ويزعم بعض من سلك هذه السبيل أن هذا هو مقتضى العقل، وان كل ماله ابتداء فيجب أن يكون له انتهاء.

ولما رأوا الشرع قد جاء بدوام نعيم أهل الجنة كما قال تعالى: {أكلها دائم وظلها} وقال: {إن هذا لرزقنا ماله من نفاد} ظنوا أنه يجب تصديق الشرع فيما خالف فيه أهل العقل، ولم يعلموا أن الحجة العقلية الصريحة لا تناقض الحجة الشرعية الصحيحة، بل يمتنع تعارض الحجج الصحيحة سواء كانت عقلية أو سمعية أو سمعية وعقلية. بل إذا تعارضت حجتان دل على فساد إحداهما وفسادهما جميعاً.

وصار كثير منهم إلى جواز دوام الحوادث في المستقبل دون الماضي، وذكروا فروعاً عرف حذاقهم ضعفها كما بسط في غير هذا الموضع، وهو لزومهم أن يكون الرب كان غير قادر ثم صار قادراً من غير تجدد سبب يوجب كونه قادراً، وانه لم يكن يمكنه أن يفعل ولا يتكلم بمشيئته ثم صار الفعل ممكناً له بدون سبب يوجب تجدد الإمكان وإذا ذكر لهم هذا قالوا: كان في الأزل قادراً على ما لم يزل، فقيل لهم: القادر لا يكون قادراً مع كون المقدور ممتنعاً، بل القدرة

<<  <   >  >>