ولا فعل شيئاً، ولا كانوا يسمونه واجب الوجود، ولا يقسمون الوجود إلى واجب وممكن، ويجعلون الممكن هو موجوداً قديماً أزلياً كالفلك عندهم.
وإنما هذا فعل ابن سينا وأتباعه وهم خالفوا في ذلك سلفهم وجميع العقلاء وخالفوا أنفسهم أيضاً فتناقضوا؛ فإنهم صرحوا بما صرح به سلفهم وسائر العقلاء من ان الممكن الذي يمكن أن يكون موجوداً وان يكون معدوماً، لا يكون إلا محدثاً مسبوقاً بالعدم.
وأما الأزلي الذي لم يزل ولا يزال فيمتنع عندهم وعند سائر العقلاء ان يكون ممكناً يقبل الوجود والعدم، بل كل ما قبل الوجود والعدم لم يكن إلا محدثاً، وهذا مما يستدل به على ان كل ما سوى الله فهو محدث مسبوق بالعدم كائن بعد ان لم يكن، كما بسط في موضعه.
لكن ابن سينا ومتبعوه تناقضوا فذكروا في موضع آخر ان الوجود ينقسم إلى: واجب، وممكن، وان الممكن قد يكون قديماً أزلياً لم يزل ولا يزال يمتنع عدمه، ويقولون: هو واجب بغيره وجعلوا الفلك من هذا النوع؛ فخرجوا عن إجماع لعقلاء الذين وافقوهم عليه في إثبات شيء ممكن يمكن أن يوجد وان لا يوجد وانه مع هذا يكون قديماً أزليا أبدياً ممتنع العدم واجب الوجود بغيره فإن هذا ممتنع عند جميع العقلاء وذلك بين في صريح العقل لمن تصور حقيقة الممكن الذي يقبل الوجود والعدم كما بسط في موضعه.
وهؤلاء المتفلسفة إنما تسلطوا على المتكلمين الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم؛ لأن هؤلاء لم يعرفوا حقيقة ما بعث الله به رسوله. ولم يحتجوا لما نصروه بحجج صحيحة في المعقول. فقصر هؤلاء المتكلمون في معرفة السمع والعقل.