العقلاء. فإنهم متفقون على أن الله خلق السموات والأرض؛ بل هو خالق كل شيء، وكل ما سوى الله مخلوق حادث كائن بعد أن لم يكن، وإن القديم الأزلى هو الله تعالى بما هو متصف به من صفات الكمال وليست صفاته خارجة عن مسمى اسمه؛ بل من قال عبدت الله ودعوت الله فإنما عبد ذاته المتصفة بصفات الكمال التي تستحقها، ويمتنع وجود ذاته بدون صفاتها اللازمة لها.
ثم لما تكلم في " النبوات " من اتبع أرسطو - كابن سينا وأمثاله - ورأوا ما جاءت به الأنبياء من إخبارهم بأن الله يتكلم، وأنه كلم موسى تكليماً، وأنه خالق كل شيء، أخذوا يحرفون كلام الأنبياء عن مواضعه، فيقولون: الحدوث نوعان، ذاتي وزماني، ونحن نقول أن الفلك محدث الحدوث الزماني؛ بمعنى أنه معلول وإن كان أزلياً لم يزل مع الله، وقالوا إنه مخلوق بهذا الاعتبار، والكتب الإلهية أخبرت بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام والقديم الأزلي لا يكون في أيام.
وقد علم بالاضطرار أن ما أخبرت به الرسل من أن الله خلق كل شيء، وأنه خلق كذا إنما أرادوا بذلك انه خلق المخلوق، وأحدثه بعد أن لم يكن، كما قال:{وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً} والعقول الصريحة توافق ذلك، وتعلم أن المفعول المخلوق المصنوع لا يكون مقارناً للفاعل في الزمان ولا يكون إلا بعده، وأن الفعل لا يكون إلا باحداث المفعول.
وقالوا لهؤلاء قولكم:" إنه مؤثر تام في الأزل " لفظ مجمل يراد به التأثير العام في كل شيء ويراد به التأثير المطلق في شيء بعد شيء ويراد به التأثير المطلق في