شيء بعد شيء ويراد به التأثير في شيء معين دون غيره، فإن أردتم " الأول " لزم أن لا يحدث في العالم حادث، وهذا خلاف المشاهدة وإن أردتم " الثاني " لزم أن يكون كل ما سوى الله مخلوقاً حادثاً كائناً بعد أن لم يكن، وكان الرب لم يزل متكلماً بمشيئته فعالاً لما يشاء، وهذا يناقض قولكم ويستلزم أن كل ما سواه مخلوق ويوافق ما أخبرت به الرسل، وعلى هذا يدل العقل الصريح، فتبين أن العقل الصريح يوافق ما أخبرت به الأنبياء، وإن أردتم " الثالث " فسد قولكم؛ لأنه يستلزم أنه يشاء [حدوثها] بعد أن لم يكن فاعلاً لها من غير تجدد سبب يوجب الأحداث، وهذا يناقض قولكم، فإن صح هذا جاز أن يحدث كل شيء بعد أن لم يكن محدثاً لشىء، وإن لم يصح هذا بطل، فقولكم باطل على التقديرين.
وحقيقة قولكم أن المؤثر التام لا يكون إلا مع أثره، ولا يكون الأثر إلا مع المؤثر التام في الزمن، وحينئذ فيلزمكم أن لا يحدث شيء، ويلزمكم أن كل ما حدث حدث بدون مؤثر، ويلزمكم بطلان الفرق بين أثر وأثر، وليس لكم أن تقولوا بعض الآثار يقارن المؤثر التام وبعضها يتراخى عنه.
وأيضاً فكونه فاعلاً لمفعول معين يقارن له أزلاً وأبداً باطل في صريح العقل، وأيضاً فأنتم وسائر العقلاء موافقون على أن الممكن الذي لا يكون [إلا] ممكناً يقبل الوجود والعدم، وهو الذي جعلتموه الممكن الخاص الذي قسيمه الضروري الواجب، والضروري الممتنع لا يكون إلا موجوداً تارة ومعدوماً اخرى، وأن القديم الأزلي لا يكون إلا ضرورياً واجباً يمتنع عدمه، وهذا مما اتفق عليه أرسطو واتباعه حتى ابن سينا وذكره في كتبه المشهورة " كالشفا"