ريب أن هذا الكلام هو إلى الشعر والخيال أقرب منه إلى الفلسفة، فكيف خان صاحب المنطق منطقه ولم يسعده في هذه المشكلة حتى تورط فيما تورط فيه من كلام هو إلى الهذيان أقرب منه إلى الجد.
فليبين لنا أرسطو ما الذي بث الشوق والحنين في مادته المزعومة حتى تحركت تحاول التشبه بتلك الصورة المحضة، وكيف كانت المادة أو الهيولي الأولى قبل حلول الصورة فيها إمكاناً أو قوة، والإمكان معنى من المعاني التي توصف بها المادة وليس هو المادة، ولسنا هنا بصدد الرد على هذه الحماقة من فيلسوف طار صيته وذاع، حتى كاد أن يعبده أتباعه من متفلسفة الإسلام المارقين من أمثال الفارابي وابن سينا ويزعمون لآرائه العصمة والقداسة، ويقدمونها على الوحي المنزل ولا ريب أن هذا الذي قال به أرسطو في قدم العالم هو رأى الملاحدة الدهرية الذين ينكرون وجود الخالق جل وعلا ويقولون {ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} .
*****
واتى ابن سينا بعد ذاك مصانعاً ... للمسلمين فقال بالإمكان
لكنه الأزلى ليس بمحدث ... ما كان معدوماً ولا هو فان
وأتى بصلح بين طائفتين بينهما ... الحروب وما هما سلمان
أنى يكون المسلمون وشيعة ... اليونان صلحا قط في الإيمان
والسيف بين الأنبياء وبينهم ... والحرب بينهم فحرب عوان
الشرح
جاء ابن سينا بعد أرسطو، وكان كما قلنا تلميذاً وفياً لفلسفة أستاذه، ولكنه من جهة أخرى كان يريد مصانعة المسلمين ومداهنتهم حتى لا يفطنوا لمروقه