كما يظنه كثير من الناس، بل نفس أهل الملل، بل أئمة أهل الملل: أهل السنة والحديث، يجوزون هذا النزاع في كلمات الله وأفعاله، فيقولون: أن الرب لم يزل متكلماً إذا شاء، وكلمات الله دائمة قديمة النوع عندهم لم تزل ولا تزال أزلاً وأبداً ا٠هـ.
وبهذا نعلم أن القدم النوعي في كلام شيخ الإسلام معناه التعاقب والاستمرار سواء في فعل الله أو في مفعوله فكان من هذا الاعتبار فعله قديماً ككلامه سبحانه، وكان مفعوله قديماً أيضاً من هذه الحيثية، اما عين الفعل فهو مسبوق بالعدم أي كل فعل من أفعاله مسبوق بالعدم كما ان كل مفعول مسبوق بالعدل وأما نوعه من حيث التعاقب فقديم وهذا لا محذور فيه كما نقول ذلك في الكلام ولهذا قال في الصفدية (٢/١٧٥) :
وإذا قيل: إنه موجب للمعين دائماً.
قبل له: إيجاب الفاعل للمفعول المعين بمعنى مقارنته له في الزمان ممتنع كما بين في موضعه.
وإيجاب الحوادث شيئاً بعد شيء بدون قيام أمور متجددة به ممتنع أيضاً، كما قد بسط في موضعه، وإيجاب المعين بدون هذا الحادث وهذا الحادث محال، وإيجاب هذا الحادث دائماً وهذا الحادث دائماً محال.
وأما إيجاب الحوادث شيئاً بعد شيء فيستلزم أن لا يكون موجباً للحادث إلا عند حدوثه، وحينئذ يستكمل شرائط الإيجاب، فيلزم من ذلك تجدد الإيجاب بشيء بعد شيء، فحينئذ لم يكن موجباً لمعين إلا بإيجاب معين، وما استلزم الحوادث لا يكون له إيجاب معين، وأما الإيجاب الذي يتجدد شيئاً بعد شيء