وأيضاً فالممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح تام يجب به الممكن. وقد يقولون: لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح تام يستلزم وجود ذلك الممكن.
[وهذا الثاني أصوب، كما عليه نظار المسلمين المثبتين، فإن بقاءه معدوماً لا يفتقر إلى مرجح. ومن قال: إنه يفتقر إلى مرجح، قال: عدم مرجحه يستلزم
عدمه. ولكن يقال: هذا مستلزم لعدمه، لا أن هذا هو الأمر الموجب لعدمه، ولا يجب عدمه في نفس الأمر، بل عدمه في نفس الأمر لا علة له، فإن عدم المعلول يستلزم عدم العلة، وليس هو علة له، والملزوم أعم من كونه علة] ، لأن ذلك المرجح التام لو لم يستلزم وجود الممكن، لكان وجود الممكن مع المرجح التام جائزاً لا واجباً ولا ممتنعاً، وحينئذ فيكون ممكناً فيتوقف على مرجح، لأن الممكن لا يحصل إلا بمرجح.
فدل ذلك على أن الممكن إن لم يحصل مرجح يستلزم وجوده امتنع وجوده، وما دام وجوده ممكناً جائزاً غير لازم لا يوجد، وهذا هو الذي يقوله أئمة أهل
السنة المثبتين للقدر مع موافقة أئمة الفلاسفة لهم، وهذا مما احتجوا به على أن الله خالق أفعال العباد.
والقدرية من المعتزلة وغيرهم تخالف في هذا، وتزعم أن القادر يمكنه ترجيح الفعل على الترك بدون ما يستلزم ذلك، وادعوا أنه إن لم يكن القادر كذلك، لزم أن يكون موجباً بالذات لا قادراً. قالوا: والقادر المختار هو الذي إن شاء
فعل وإن شاء ترك، فمتى قيل: إنه لا يفعل إلا مع لزوم أن يفعل، لم يكن مختاراً بل مجبوراً.