للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"بل"، وهذا غير جائز قالوا: ووجه آخر أنَّ بل تأتي للإضراب بعد غلط أو نسيان وهذا منفي عن الله جل ثناؤه فإن أتي ثناؤه بها بعد كلام قد سبق من، وهذا غير القائل فالخطأ إنما لحِقَ كلام الأول نحو قَوله جل ثناؤه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} ١ فهم أخطئوا فِي هَذَا وكفروا بِهِ فقال جلّ وعزّ: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} . وزعم قوم أن معناها "أو يزيدون عَلَى ذَلِكَ".

قلنا: والذي قاله الفراء فقول قَدْ تقدمه فِيهِ ناس. وقول من قال: أن "بل" لا يكون إلاّ إضراباً بعد غلط أو نسيان فخطأ، لأن العرب تُنشد٢:

بل مَا هاج أحزاناً وشجواً قَدْ شجا

وهذا لَيْسَ من المعنيين فِي شيء.

فأما قوله: "أو أشدُّ قَسْوةً" وَمَا أشبهه من قوله عزّ وجل: {كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} ٣ أن المخاطب يعلمه، لكنه أبهمه عَلَى المخاطَب وطواه عنه. وقال آخرون: بعضها كالحجارة وبعضها أشدَّ قسوة. أي هي ضربان: ضرب كذا أو ضرب كذا.

باب إي وأي:

إي: فِي زعم أهل اللغة يكون بمعنى "نعم" تقول "إي وربّي". أي: "نعمْ وربّي" قال الله جل ثناؤه: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} ٤.

وأي: معناها "يقول" ومثال ذَلِكَ أن تقول فِي تفسير "لا ريب فِيهِ": "أي لا شك فِيهِ"، المعنى: يقول لا شك فِيهِ.

وسمعتُ أبا بكر أحمد بن عليّ بن إسماعيل الناقد يقول: سمعت أبا إسحاق الحربيّ يقول سمعت عمر بن أبي عمرو الشَّيْبانِيّ يقول: سألت أبي عن قولهم "أي" فقال: كلمةٌ للعرب تُشيِرُ بِهَا إلى المعنى.


١ سورة الأنبياء، الآية: ٢٦.
٢ مغني اللبيب: ٢/ ٤١٢، وبهامشه للعجاج. وقد زيدت "بل" في أول الشطر.
٣ سورة النحل، الآية: ٧٧.
٤ سورة يونس، الآية: ٥٣.

<<  <   >  >>