للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب إنَّ وأنَّ وإنْ وأنْ:

قال "الفَرّاء": "إنَّ" مقدرة لقسم متروك استُغْنيَ بِهَا التقدير: "والله إنّ زيداً عالمٌ". وَكَانَ ثعلب يقول: "إن زيداً لقائم" هو جواب مَا زيد بقائم فـ"إنّ" جواب "مَا" و"اللام" جواب "الباء". وَكَانَ بعض النحويين يقولون: "إنّ" مُضارِعَة للفعل لفظاً ومعنىً: أما اللفظ فللفتحة فِيهَا كما تقول "قامَ". والمعنى فِي "أن زيداً قائم": ثبت عندي هَذَا الحديث. وقال سيبويه: سألت الخليل عن رجل سميناه بـ"إن" كَيْفَ إعرابه? قال: بفتح الألف لأنه يكون كالاسم، وإذا كَانَ بكسر الألف لكان كالفعل والأداة، ولذلك نُصب فِي ذاته لأنه كالفعل ومعناه التثبيت للخبر الَّذِي بعده، ولذلك نصب بِهِ الاسم الَّذِي يليه. ومما يدل على أن "إن" للتثبيت قول القائل١:

إن مَحَلاًّ وإنَّ مُرتَحَلا ... وإنَّ فِي السَّفْرِ مَا مضوا مهلا

وتكون "إن": بمعنى "لَعَلّ" فِي قوله عزّ وجلّ: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ} ٢ بمعنى "لعلَّها إذا جاءت". وحكى الخليل: "إئتِ السوقَ أنْكَ تشتري لَنَا شيئاً" بمعنى "لعلَّك".

و"أنّ" إذا كَانَتْ اسماً كَانَتْ فِي قولك "ظننت أن زيداً قائم" فيكون "أن" والذي بعدها قصةً وشأناً، نحو "ظننت ذَاكَ" فيكون محلّه نصباً، وإذا قلْت "بلغني أن زيداً عالمٌ" فهذا فِي موضع رفع. وإذا قلنا "عجبت من أنّ زيداً كلّمكَ" فمحله خفض عَلَى مَا رتبناه من أنه اسم.

وأما "إن": فإنها تكون شرطاً، تقول: "إن خرجتَ خرجتُ".

وتكون نفياً كقوله جلّ وعزّ: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} ٣.

وكقول الشاعر٤:

وَمَا إنْ طبنا جبنا


١ الأعشى، ديوانه: ١٥٤. وفيه: مضى مهلا.
٢ سورة الأنعام، الآية: ١٠٩.
٣ سورة الملك، الآية: ٢٠.
٤ خزانة الأدب ٤/ ١١٢، ونسبته إلى فروة بن مسيك، وفيه: وَمَا إنْ طبُّنا جبن.

<<  <   >  >>