للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَيْسَ بشيء: قال الله جلّ ثناؤه: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ١ فأين التحقير ها هنا؟

والذي قاله الفرّاء صحيح، وحجته قوله -صلى الله عَلَيْهِ وسلم: "إنّما الولاء لمن أعتق".

باب إلاّ:

أصل الاستثناء أن تَستثني شيئاً من جملة اشتملت عَلَيْهِ فِي أول مَا لفظ به، وهو قولهم: "مَا خرج الناسُ إلا زيداً" فقد كَانَ "زيد" فِي جملة الناس ثُمَّ أُخرج منهم، ولذلك سمي "استثناءً لأنه ثُنِّيَ ذكره مرةً فِي الجملة ومرّة فِي التفصيل. ولذلك قال بعض النحويين: المستثنى خرج مما دخل فيه، وهذا مأخوذ من "الثِّنَا" والثِّنا الأمر يثَّنى مرّتين: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا ثِنا فِي الصدقة" ٢ يعني لا تؤخذ فِي السنة مرتين. قال أوس٣:

أفي جَنْب بَكْرٍ قطَّعَتْني ملامةً ... لَعَمري لقد كَانَتْ ملامتها ثِنَا

يقول: لَيْسَ هَذَا بأولّ لومها، فقد فعلَتْه قبل هذا، وهذا ثِنًا بعده.

وقال بعض أهل العلم: "إلا" تكون استثناء لقليل من كثير، نحو "قام الناسُ إلا زيداً". وتكون محققة لفعلٍ مَنفيّ عن اسم قبلها، نحو "مَا قام أحد إلا زيد". وتكون بمعنى "واو العطف" كقوله٤:

وأرى لَهَا داراً بأغدرة السيِّـ ... ـدَانِ لَمْ يَدْرُس لَهَا رسمُ

إلا رَماداً هامداً دفعت ... عنه الرِّياحَ خوالِدٌ سُحْمُ

أراد "ورماداً".

وتكون بمعنى "بل" كقوله جلّ ثناؤه: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلَّا تَذْكِرَةً} ٥ بمعنى "بل تذكرة". ومنه قوله عزّ وجلّ: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ


١ سورة النساء، الآية: ١٧٠.
٢ رواه مسلم: هبة ٢٤، وبيوع ٨٥.
٣ ديوانه: ١٤١. ولعله أراد أوس بن مغراء وهو شاعر تميمي مخضرم، مات سنة ٥٥هـ. والبيت في ديوان كعب بن زهير: ٩ برواية: قطعتني قلامة.
٤ هو المخبل السعدي، ربيع بن مالك شاعر مخضرم جاهلي إسلامي، انظر ديوانه: ٣١٢، وفي لسان العرب: مادة "إلا" سحم: جمع أسحم: أسود.
٥ سورة طه، الآية: ٣.

<<  <   >  >>