للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ يقول مبتدئاً: {جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} أي "كَسَبَهم ذَلِكَ" "حُقّ أنهم فِي الآخرة هم الأخسرون".

قال ابن قتيبة: وَلَيْسَ قول من قال: "حُقَّ لفَزارة الغضب" بشيء، والأمر بخلاف مَا قاله، لأن الَّذِي يحصل من الكلمة مَا قلناه أنه بمعنى "حُقّ" فيكون عَلَى هَذَا "جَرَمت فَزَارة بعدَها أن يغضبوا" المعنى: "أحَقَّتْ الطَّعنة لفزارة الغضبَ". ومنه قوله جل ثناؤه: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} ١ ثُمَّ قال: {لا} وهو ردّ عَلَيْهِم، وقال بعدها: {جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّار} أي حُقَّ وكسب.

ومما أوله حاء حَتَّى:

تكون للغاية. قال الله جلّ ذكره: {هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} ٢ بمعنى "إِلَى" وقال تبارك اسمه: {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} .

وتكون بمعنى "كَيْ" تقول: "أكلمه حَتَّى يرضى" أي "كي يرضى".

ويقولون: إنها تكون بمعنى العطف، تقول: "قَدِمَ الجيشُ حَتَّى الأتباعُ".

ومذهب أهل البصرة أنه لا يجوز أن يُعْطَف بِهَا حَتَّى يكون الثاني من الأول, قالوا: لو قلت: "كلَّمت العربَ حَتَّى العجم" لَمْ يجز. وقال الفرّاء لا يجوز "كلّمت أخاك حَتَّى أباك" وهو مثل الاستثناء، كما لا يجوز "كلمت أخاك إِلاَّ أباك".

وأجاز الفرّاء: "إنه ليقاتل الرَّجَّاَلة حَتَّى الفرسانَ", و"إِن كلبي ليصيد الأرانبَ حَتَّى الظِّباء" خفضاً ونصباً، قال الفراء: لأن الظباء وإن كَانَتْ مخالفة للأرانب فإنها من الصيد وهي أرفع منها.

وقال البصريون: هَذَا خطأ وفيه بطلان الباب. قالوا: لأن "حَتَّى" إنما جعلت لما تتناهى إِلَيْهِ الأشياء من أعلاها وأسفلها مما يكون منتهى فِي الغاية، فإذا قلت "ضربتُ القوم" جاز أن يتوهم السامع أن زيداً لَمْ يدخل فِي الضرب، إما لأنه


١ سورة النحل، الآية: ٦٢.
٢ سورة القدر، الآية: ٥.

<<  <   >  >>