للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعل نفسَه أعمى أصَمَّ لمّا لم ينظر ولم يسمع. وقال آخر١:

وكلامٌ بسيِّئ قد وُقِرَتْ ... أذنيَ عنه وما بي من صَمَمِ

وقريب من هذا الباب قوله جلّ وعزّ: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} ٢ أي ما هم بسُكارى مشروبٍ ولكن سُكارى فَزَع وَوَلهٍ. ومن الباب قوله جلّ ثناؤه: {لَا يَنْطِقُونَ، وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} ٣ وهم قد نطقوا بقولهم: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} ٤ لكنهم نطقوا بما لم يَنفع فكأنهم لم ينطِقوا.

باب الشرط:

الشرط على ضربين: شرطٌ واجبٌ إعماله كقول القائل: "إن خرج زيدٌ خرجتُ". وفي كتاب الله جلّ ثناؤه: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} ٥.

والشرط الآخر مذكور إلا أنه غيرُ مَعْزوم عليه ولا محتوم، مثل قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} ٦ فقوله: {إِنْ ظَنَّا} شرط لإطلاق المراجعة. فلو كان محتوماً مفروضاً لما جاز لهما أن يتراجعا إلاّ بعد الظنّ أن يقيما حدود الله. فالشرط ها هنا كالمَجاز غير المعزوم. ومثله قوله جلّ ثناؤه: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} ٧ لأن الأمر بالتذكير واقع في كلّ وقت. وللتذكير واجب نفع أو لم ينفع، فقد يكون بعض الشروط مَجازاً.

باب الكناية:

الكناية لها بابان: أحدهما أن يُكنى عن الشيء فيذكر بغير اسمه تحسيناً للفظ أو إكراماً للمذكور، وذلك كقوله جلّ ثناؤه: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ


١ يقال: وقع في سي رأسه أي حكمه من الخير أو في قدر ما يغمر به رأسه.
٢ سورة الحج، الآية: ٢.
٣ سورة المرسلات, الآية: ٢٧.
٤ سورة الأنعام، الآية: ٢٧.
٥ سورة النساء, الآية: ٤.
٦ سورة البقرة، الآية: ٢٣٠.
٧ سورة الأعلى، الآية: ٩.

<<  <   >  >>