للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنه قولهم: "أرأيت" فهو مرّةً للاستفتاء والسؤال كقولك: "أرأيت إن صلى الإمام قاعداً كيْفَ يُصَلّي مَن خلفه?". ويَكون مرّةً للتنبيه ولا يقتضي مفعولاً، قال الله جلّ ثناؤه: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} ١. ومن الباب قوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} ٢ فهذا مشترك محتمل أن يكون لله جلّ ثناؤه لأنه انفرد بخَلْقِهِ، ومحتمل أن يكون: خَلقتُه وحيداً فريداً من ماله وولَده.

باب ما يسميه بعض المحدّثين الاستطراد:

وذلك أن يشبّه شيء ثُمَّ يمرّ المتكلم فِي وصف المشبّه، كقول الشاعر حين شبّه ناقتَه فقال٣:

كَأَنِّي ورَحْلِيَ إذَا رُعْتُها ... عَلَى جَمْزَى جازِئٍ بالرِّمالِ

فشبّه ناقته بثور ومضى فِي وصف الثّور، ثُمَّ نقل الشبه إِلَى الحمار فقال٤:

أَوْ أصْحَمٍ حامٍ جراميزه ... خزابية حَيدَى بالدِّحالِ

ومر فِي صفة العَيْر إِلَى آخر كلمته. وَقَدْ قيل: فِي كتاب الله جلّ ثناؤه من هَذَا النظم قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ} ٥ وَلَمْ يجر للذِّكر خبر، ثُمَّ قال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ٦ وجواب: {أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} قوله جلّ ثناؤه: {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} ٧.


١ سورة العلق، الآية: ١٣.
٢ سورة المدثر، الآية: ٧.
٣ شرح أشعار الهذليين: ٢/ ٤٩٨ لأمية بن أبي عائذ، وبلا نسبة في شرح المفصل: ٥/ ١٠٨.
ويقال: جمار جمزى أي: سريع، وأراد ثورًا.
٤ شرح أشعار الهذليين: ٢/ ٤٩٩ لأمية بن أبي عائذ. وبلا عزو في العين: ٦/ ٢٠٣. وللهذلي في المقاييس: مادة "حيد" والأصحم من الصحمة: السواد إلى صفرة، وأراد الحمار، والحامي: الفحل من الإبل يضرب الضراب المعدود، ثم هو حام حمى ظهره فيترك الجراميز: قوائم الوحشي وجسده. الحزابية: الغليظ إلى القصر. وحمار حيدي: يحيد عن ظله نشاطًا. دحال: جمع دحل: وهو نقب ضيق فمه متسع أسفله.
٥ سورة فصلت، الآية: ٤١.
٦ سورة فصلت، الآية: ٤٢.
٧ سورة فصلت، الآية: ٤٤.

<<  <   >  >>