للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تغلَّ يدك، وذلك أن النعت ألزَمُ، ألا ترى أنا نقول: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} ١ ولا نقول: آدمُ عاصٍ غاوٍ، لأن النعوت لازمة وآدم وإن كَانَ عصى فِي شيء فإنه لَكَ يكن شأنه العصيان فيُسمى بِهِ، فقوله جلّ ثناؤه: {لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً} ٢ أي لا تكونَنّ عادتك المنع فتكون يدك مغلولةً.

ومنه قوله جلّ ثناؤه: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} ٣ وَلَمْ يقل هَجَرُوا لأن شأنَ القوم كَانَ هجران القرآن وشأنُ القرآن عندَهم أن يُهجَر أبداً فلذلك قال والله أعلم: {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} وهذا قياسُ الباب كله.

باب الشعر:

الشِّعرْ كلام مَوْزونٌ مُقفّى دَالٌّ عَلَى معنىً. ويكون أكثرَ من بيت.

وإنما قلنا هَذَا لأنّ جائزاً اتِّفاقُ سَطرٍ واحد بوزن يُشبه وزنَ الشِّعر عن غير قصد، فقد قيل: إن بعض الناس كتب فِي عنوانه كتاب "للأمير المُسَيَّب بن زهير من عِقالِ بن شبَّةَ بن عِقالِ" فاستوى هَذَا فِي الوزن الَّذِي يُسمّى "الخفيف". ولعلّ الكاتب لَمْ يقصد بِهِ شِعْراً.

وقد ذكر ناس فِي هَذَا كلمات من كتاب الله جلّ ثناؤه كَرِهْنا ذكرَها، وَقَدْ نزّه الله جلّ ثناؤه كتابه عن شَبه الشِّعر كما نزّه نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- عن قوله. فإن قال قائل: فما الحِكمةُ فِي تنزيه الله جل ثناؤه نبيه عن الشعر? قيل لَهُ: أوّل مَا فِي ذَلِكَ حكم الله جلّ ثناؤه بأنّ: {الشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} ٤ ثُمَّ قال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ٥ ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن كَانَ أفضل المؤمنين إيماناً وأكثر الصالحين عَمَلاً للصالحات فلم يكن ينبغي لَهُ الشعر بحال، لأن للشعر شرائِط لا يُسمى الإنسان بغيرها شاعراً، وذلك أن إنساناً


١ سورة طه، الآية: ١٢١.
٢ سورة الإسراء، الآية: ٢٩.
٣ سورة الفرقان، الآية: ٣٠.
٤ سورة الشعراء، الآية: ٢٢٤-٢٢٦.
٥ سورة الشعراء، الآية: ٢٢٧.

<<  <   >  >>