للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

"اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودًا فلما سلم قال: "إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا".

زاد في رواية: "ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها".


= قائمة؛ لأن نسخ القعود لا يدل على فساد تلك العلة، وإنما يقتضي أنه قد عارضها ما ترجح عليها، مثل كون القيام فرضًا في الصلاة، فلا يسقط الفرض بمجرد المشابهة الصورية، وهذا محل اجتهاد، وأما المشابهة الصورية إذا لم تسقط فرضًا -كذا- كانت تلك العلة التي علل بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سليمة عن معارض أو نسخ؛ لأن القيام في الصلاة ليس بمشابهة في الحقيقة، فلا يكون محذورًا، فالحكم إذا علل بعلة، ثم نسخ مع بقاء العلة، فلا بد أن يكون غيرها ترجح عليها وقت النسخ أو ضعف تأثيرها، أما أن تكون في نفسها باطلة فهذا محال، هذا كله لو كان الحكم هنا منسوخًا، فكيف والصحيح أن هذا الحديث محكم قد عمل به غير واحد من الصحابة بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، مع كونها علموا بصلاته في مرضه، وقد استفاض عنه الأمر به استفاضة صحيحة صريحة يمتنع معها أن يكون حديث المرض ناسخًا له على ما هو مقرر في غير هذا الموضع، "فهو محكم" إما بجواز الأمرين؛ إذ فعل القيام لا ينافي فعل القعود، وإما بالفرق بين المبتدئ للصلاة قاعدًا، والصلاة التي ابتدأها الإمام قائمًا لعدم دخول هذه الصلاة في قوله: "وإذا صلى قاعدًا"، ولعدم المفسدة التي علل بها؛ ولأن بناء فعل آخر الصلاة على أولها أولى من بنائها على صلاة الإمام، ونحو ذلك من الأمور المذكورة في غير هذا الموضع".

<<  <   >  >>