للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علوم اللغة والتاريخية والآثار أحيانًا، وعلوم البلاغة والبديع وغيرها، ولا يكون مصدرًا للكشف عن مقوماته الداخلية، وإذا كان النقّاد القدامى، وقد حاولوا أن يغطوا هذا النقص الذي لم يعوه بأساليبهم القاصرة؛ كالبحث عن سرقات الشاعر ومقارنته بمن سبقه أو عاصره من الشعراء، وبمواجهات تقتصر على النقد اللغوي، فإن النقاد المحدثين لم يتقدموا إلّا قليلًا عمَّا توقف عند حدوده النقد التقليدي القديم. ويصل إلى نتيجة بأن الشعر الجاهلي وتجربته كفنٍّ ومعاناة، وثقافة تكوينية وجودية، ولغة من الرموز الكثيفة عن الحياة، ومواقف العربي من مشكلاتها المختلفة ما زال مجهولًا، وعالمًا مغلقًا بكرًا لما تتناوله أقلام النقاد الجدد إلّا للمحات عابرة لا تستوعب شموله ولا تسبر أغواره.

ويتهم أدونيس١ النقد العربي القديم ومعظم النقد الحديث بأنهما يقدمان صورة تفتقر إلى الدقة عن الشعر الجاهلي، فقي الشعر الجاهلي نفسه نجد بذورًا قوية لحركة إبداعية خرجت على القبيلة وقيمها السائدة "الصعاليك"، وكذلك امرؤ القيس وطرفة.. وكانت هذه الحركة تحاول أن تطرح بديلًا جديدًا.

ويتهم إيليا حاوي٢ النقد الأدبي الحديث أنه جرى منذ مطلع القرن على أسلوب متدنٍ متخاذلٍ يقف عند حدود النص, يتلقف منه ما يعطيه على هون ويسر، وقلَّمَا يفطن الناقد إلى أن التجربة الفنية هي تجربة ما ورائية، فالشاعر يعبر بالمعاناة والرؤيا حين تقدر له، والناقد يستنبطها ويتقصّى فيها، ويجلو ضمير هذا المكتوم والمختفي، ويكمل أحدهما الآخر.

ويجد إحسان سركيس٣ مصيبة التراث ببعض من تناوله من أبنائه، فهذا النفر لم يفرق بين الأوراق التي ينبغي لها أن ترث في الأرض, وبين النسغ الذي يمد الشجرة بأسباب الغذاء والنماء، فارتضى المركب السهل في ترديد ما قاله الباحثون القدامى، أو التزم تجديدًا سطحيًّا يغلب عليه التبسيط أو قصور الرؤية، حتى كاد الكثيرون أن يستشعروا نحو ذلك التراث غربة المرء في وطنه.

ويقرر أحمد سويلم٤ أن الشعر الجاهلي قد ظلم في نظر الكثيرين فأغفلوا


١ الثابت المتجول، دار العودة، بيروت, ١٩٧٤، ص١٩.
٢ مقدمة الطبعة الرابعة من كتابه "في النقد والأدب ج١" دار الكتاب اللبناني ١٩٧٩.
٣ مدخل إلى الأدب الجاهلي، دار الطليعة، ١٩٧٩م، ص٦.
٤ شعرنا القديم، رؤية عصرية، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، ١٩٧٩م، ص٣٣.

<<  <   >  >>