للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذكرناها، طمح المحدثون إلى أن يحصلوا على أشياء لم تكن مجال اهتمام القدامى، وثمة أمر آخر هو أن المحدثين نسوا البعد الزمني فطالبوا القدامى بما يطلبونه الآن.

وتبرز في مقدمة إيجابيات عمل القدامى من النقاد وإحساسهم الشديد بنقاء الأدب العربي، وثانيًا حرصهم على تشخيصه جيلًا بعد جيل, فقد شخَّصوه أولًا برسم الصورة المثلى للغة ممثَّلة في القرآن الكريم، وثانيًا بالإصرار على أن الأدب العربي صورة ناضجة كاملة النضج قبل أن تتصل الثقافة العربية بغيرها١.

ومن الإيجابيات تضافر جهود علماء اللغة والنقاد والرواة لجمع مادة الأدب الجاهلي وتنقيتها من كل شائبة، وإسقاط المنحول، وتقويم المعوج منها والمصحَّف، وتبويبه في دواوين ومجموعات شعرية، وشرح تلك الأشعار من بعد.

ولو وصل إلينا جهدهم كله لكانت الصورة مختلفة الآن، ولا يقلل من جهدهم ما غمز بعضهم به من هنا وهناك, فلا يخلو عمل من نقد بنَّاء أو هدَّام.

ومن الإيجابيات أن شروحهم تضمَّنت فيما تضمنته ذكرًا لأشعار أوردوها للمقارنة أو للدلالة على معنى معين, وهذه الأشعار لشعراء ضلَّ شعرهم طريقه إلينا.

ومثل ذلك ما أورده من قصص وأخبار وأعلام أفادتنا كثيرًا في استكمال صورة ذلك المجتمع.

ومن هذه الإيجابيات أن كتب بعضهم لم تخل من خطرات نقدية ومقارنات أضاءت للباحثين المحدثين السبيل لاستكمال كثير من القضايا التي عرضوا لها. واستطاعوا بهذا أن يتعرفوا إلى أذواق أولئك العلماء الأوائل واتجاهات عصرهم في النقد وغيره.

أما السلبيات فقد وردت على ألسنة المحدَثين، وسنحاول ذكرها ونقدها ما أمكن ذلك:

١- قصر النقد القديم عن فهم الشعر القديم؛ لأنه قام على أساسٍ من علوم البلاغة التقليدية، فقصرت عن أن تلفتنا إلى الجمال الحقيقي فيه٢، وذلك أمر بدهي


١ مصطفى ناصف، قراءة ثانية لشعرنا القديم، ص١١ وما بعدها.
٢ محمد النويهي، الشعر الجاهلي منهج في دراسته وتقويمه، ١٤.

<<  <   >  >>