للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنه لم يكن من أهدافهم عمل ذلك، بل كانوا يهدفون إلى الإفادة من لغة ذلك الأدب وضروب البلاغة فيه، ومع ذلك فإنَّ التفاتات النقاد ولمساتهم الخفيفة كالجرجاني وابن جني وابن حازم كانت ملفتة إلى جمال ذلك الشعر, ولو لم يفعل القدامى شيئًا إلّا تدوين ذلك الشعر وحفظه من الضياع، وتوثيقه لكان ذلك كافيًا.

٢- إن شروح اللغويين القدامى للشعر الجاهلي، وهي مفاتيحنا إلى فهمه، إنما هي ثمرة عقلية إسلامية؛ لأنهم أغفلوا الحديث عن أصولها الدينية القديمة، ويتهمهم أحد الباحثين١ بأنهم ألحوا لطمس تلك الأصول، وقد عرضنا لهذه القضية في التمهيد، ولكنها ليست من عمل شخص واحد، بل إننا نزعم بأن الرواة منذ صدر الإسلام تحرجوا، ولذلك بدأت تلك الأصول تتساقط وتتناسى حتى تلاشت.

٣- دأب المحدثون منذ العصر الأموي على طمس الثقافة العربية ممتزجة بالأساطير والقصص الخرافي لما فيها من إيقاظ للشعور الجاهلي الذي أساسه العصبية، وقد عرضنا لذلك أيضًا، ونضيف هنا رأيًا لباحث آخر٢ يؤكِّد فيه أن كثيرًا من الشعر الجاهلي الصحيح النسبة إلى أصحابه أو إلى العصر الجاهلي قائم في الكتب الباقية بين أيدينا الآن، لكن ليس في مجاميع الشعر الجاهلي الذائعة الصيت، وإنما هذا كله يقع في كتب تدخل عندنا في مجال القصص الموضوع أو المصنوع؛ لأن القدامى وضعوها في قالب متحجر من تصور الشعر الجاهلي والتاريخ الجاهلي بحيث أصبح التاريخ الحي عندنا قصصًا، وما اندرج خلاله من الشعر مصنوعًا، ونتيجة الإهمال والتنازل عنها دخلها الضيم وطمع القاصّ فشرع يغير فيها، ومن هذه المؤلفات: فتوح الشام اللواقدي، وكتاب بكر وتغلب لمؤلف مجهول أو لابن إسحاق، وقد طبع في الهند ١٣٠٥هـ، ومن المعروف أن الخرافة والأسطورة تعدَّان منبعين من منابع التاريخ.

٤- ويرى أحد الباحثين٣ في عجز النقاد القدامى سببًا مغايرًا للرأي السابق، فهو


١ إبراهيم عبد الرحمن محمد، الشعر الجاهلي، ٩.
٢ نجيب البهبيتي، المعلقات: سيرة وتاريخًا، ١٨٩.
٣ عبد الجبار المطلبي, مواقف في الأدب والنقد، ٣١.

<<  <   >  >>