للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما كان للرومانسية فضل التوجيه إلى حصر البنيات الأسطورية والمختفية دائمًا وراء الشكل العام للتعبير. ولوحظ أن لبعض كُتّاب لبنان ممارسات مبكرة للأسطورة داخل محيط الرمز الشعري، وفي معرض حديثه عن البنائية وتوجسه من خشية تعطيل دور الشعر المعرفي, يعترف بأن في بعض إنجازاتهم ما يدعم التفسير الأسطوري للشعر.

إن الشاعر يملك القدرة الجبارة على تشكيل الصورة الشعرية من فتات التصور القديم للوجود الأول، وكلما كان الشاعر قريبًا من عصر الفطرة الجاهلية أحد أشكالها، سيطرت عليه القوة الميتافيزيقية التي تصوغ قصيدته, أو تتحكم في صياغته بنحو أو آخر.

وفي رأيه أن الأسطورة ليست أدبًا، ولا يمكن أن تكون، وهي عندما ينتهي دورها في تفسير علاقة الآلهة بالموجودات، وفي إماطة اللثام عن بعض أسرار الكون والحياة، تتفتت في حكايات خرافية، وبعضها يقتحمه الخيال في الملاحم الشعبية، ثم يستغل استغلالًا أدبيًّا تتفاوت مستوياته الفنية بمقدار بما يوحي ويثير. ولكن الجزء الطقسي من الأسطورة يظل في ضمير الجماعة حيًّا ما امتد الزمن وتعاقبت آلاف السنين.

ويحدد لنا بعد ذلك الأسطورة التي عناها، وهي الأسطورة التي توزَّعت في أعمال إبداعية، بعضها شعبي، واستخدمت بطريقة تبدو للنظر العادي كما لو كانت ضربًا من المجاز أو التصوير الأدبي الشائع، وعنده أن الصورة الشعرية المبتكرة ترجع من حيث هي مجاز أو كناية أو علامة سيميوطيقية إلى قدرة الشاعر على الخروج من الفكرة المتسلطة بشيء يقول شيئًا يحاور الضمير العام بكل ميتافيزيقائه.

ويؤيد ما يذهب إليه بأمثلة من الشعر الجاهلي تتعلق بألفاظٍ لها دلالات أسطورية وخرافية موغلة في القدم، وقيم حضارية، ويشير في جزء من بحثه إلى أنّ الأسطورة تعني أحيانًا "الطوطمية" بكل ملابساتها، وبكل ما يوحي به اعتقاد بوجود وحدة كونية بين أنواع الزواحف والأشجار والهوام والحيوان والصخور والنجوم، ويشهد على هذا حضور ما سبق جميعًا في سلاسل النسب العربية، وهو يرى أن الحيوان عنصر وراءه رصيد هائل من الأفكار الأسطورية، ويسوق لمقولته نماذج من الشعر الجاهلي، ويختتم بحثه بأن التفسير الأسطوري للأدب، وللشعر خاصة، ما

<<  <   >  >>