التقليدية الثابتة أداة فنية عاجزة عن مواكبة التطور الذي أخذ يَجِدُّ على الحياة العربية عبر عصورها المختلفة والتعبير عنه.
وقد نجمت عن ذلك آثار خطيرة تمثَّلت في ظاهرتين غلبتا على حركة نقد الشعر في الأدب العربي الحديث: انصراف الدارسين المحدثين عن ملاحظة ظواهر التطور المختلفة التي أخذ الشعر القديم يحققها في مسيرته التاريخية والفنية الطويلة، والثانية: التفاتهم إلى الآداب الغربية وحدها لتفسير ما أخذ يجد على الشعر الحديث.
وقد دعا هذا كله الباحث إلى العودة إلى عالم الشعر القديم للكشف عن أصوله الشكلية والفنية، ولرصد ظواهر التطور البارزة التي أخذ يحققها تباعًا بفضل ظهور الإسلام، وهو يرى أنها أصول ظلت موصولة بين القديم والحديث في حياة الشعر العربي منذ العصر الجاهلي حتى الآن، على نحوٍ يؤكد استمرار الصلة الفنية الوثيقة بين قديم هذا الشعر وحديثه، ويجعل من الصيغة الشعرية الجديدة نتاجًا حتميًّا لهذا التطور الدائب، وتلك الصلة المستمرة، بالإضافة إلى المؤثرات الأجنبية الأخرى.
وينتهي إلى أن الشعراء الجاهليين، على الرغم من أنهم درجوا على بناء قصائدهم من أغراض وصور وأوزان واحدة، وقد نجحوا في أن يؤلفوا منها قصائد متنوعة الرموز والقضايا، على نحوٍ يعكس قدرة إبداعية خاصة لم يفطن إليها هؤلاء الدراسون الذين يلحون على ثبات الصيغة الشعرية القديمة وتقليديتها.
وفي الجانب التطبيقي يكتفي في دراسته هذه بالوقوف عند عنصرين من عناصر القصيدة يعدهما النقاد من أصولها الشكلية والفنية الكبيرة، واستغلّ الشاعر موهبته وقدرته الإبداعية في تنويعها بغية توظيفها في الرمز، والعنصران هما: الأغراض والموسيقى، وبالنسبة للأغراض يتناول المرأة كما في بحثه السابق، ولكن من خلال "معلقة امرئ القيس", وينفذ إلى أعماق تصوره للمرأة، يرى أن التشابه بين الشخصيات الثلاث؛ لأن الأساطير القديمة يتداخل بعضها في بعض، ويخلص إلى أن شخصية الشاعر، امرئ القيس، وغيره من الشعراء، كما يستخلصها الرواة من أشعارهم، شخصيات أسطورية، وهذا يؤيد أن الأغراض الشعرية ليست أكثر من صيغ فنية خالصة يوظفها الشعراء في قصائدهم.