مواقف الشعراء النفسية فيها، وصياغة هذا كله في بحر واحد ينتظم القصيدة من أولها إلى آخرها.
ويعترف الباحث بأن دراسته نظرية لم تعتمد على أية تجارب معملية أو مقارنات لغوية سامية، إلّا في حدود ما استقاه من بعض المصارد الحديثة, أما المطلوب فهو التدليل على وجود نظام موسيقي معقَّد للشعر القديم غير نظام الخليل العروضي، وإنه قد آن الأوان لأن يأخذ اللغويون العرب المحدثون زمام المبادرة في الحثِّ عن هذا النظام, ولا يكون ذلك إلّا بالتحليلات المعملية والمقارنات السامية, ولا يفوت الباحث أن يعترف بمحاولة جادَّة قام بها المرحوم الدكتور محمد مندور لتحليل موسيقى الشعر العربي القديم ورصد مقوماتها، عن طريق سلسلة من التجارب المعملية الدقيقة, قام بها في فرنسا في الفترة "١٩٣٠-١٩٣٩" ونشر مخلصًا لهذا البحث الذي لازال مخطوطًا، في مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية "العدد الأول ١٩٤٣"، ثم عاد فأشار إلى النتائج في مجلة الرسالة, وفي كتابه "في الميزان الجديد". وقد تأثَّر كثيرون بهذه الدراسة, لكنهم لم يشيروا إلى صاحبها، لكن الباحث يرى أن هذه الدراسة الخصبة لم تقدِّم لنا وصفًا صوتيًّا دقيقًا كاملًا إلّا لوجه واحد من موسيقى الشعر العربي القديم هو "الموسيقى الخارجية", أما "الموسيقى الداخلية" فلم يثر اهتمام الدراسين القدامى والمحدثين إلّا في إطار بعض الملاحظات الذوقية العامة التي نقع عليها في كتاباتهم.
والباحث الثالث الذي ينهج هذا النهج هو الدكتور نصرت عبد الرحمن, فينطلق في كتابه "الصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث"١ من الصورة لتطبيق المنهج الميثولوجي أو الأسطوري.
ويقرر في مقدمة بحثه أن الصورة من أشد القضايا خطورة في النقد الحديث, وذلك لاتصالها اتصالًا مباشرًا بنظرية المعرفة في الفلسفة، أو لارتباطها بنظرة الإنسان إلى الكون, واقتناص الحقيقة الشعرية في الصورة مطلب عسير, وبخاصة في الشعر الجاهلي, لأننا لا نعرف كثيرًا عن صانع الصورة، ولا نعرف من أمر نظرته إلى الكون إلّا أشتاتًا من المعلومات.
ويقرر أيضًا أن الفصل بين صور الشعر الجاهلي والمعتقد كالفصل بين الصور