للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أذهان القبائل؛ لأن اللغة الأدبية الموحدة لم تكن لتنمو إلّا بفضل نمو الترابط الاجتماعي, ويرفض فكرة أن يكون الشعر القديم انعكاسًا مباشرًا لفكرة البداوة, بل إننا أمام مجتمع تشغله أسئلة أساسية شاقة عن مبدأ الإنسان ومنتهاه ومصيره وشقائه وعلاقته بالكون.

وخلاصة رأيه في الشعر الجاهلي أنه ينافس أي شعر آخر شريطة أن نحسن قراءته، ومن أجل إثبات ذلك درس المقدمات الطللية لكلٍّ من زهير وطرفة، وقد رأى فيها ضربًا الطقوس أو الشعائر التي يؤديها المجتمع, أو تصدر عن عقل جماعي لا عن عقل ذاتي أو حالة ذاتية, فالشاعر الجاهلي لا يتصور الفن عملًا فرديًّا, بل يتصوره نوعًا من النبوغ في تمثُّل أحلام المجتمع ومخاوفه وآماله، وإنَّ كل شاعر جاهلي لا يبدأ الحديث ولا يخاطب المجتمع الذي ينتمي إليه إلّا عن طريق بعث الماضي.

والشاعر الجاهلي يتخير العناصر التي لا تقبل الزوال, ويرى أن الطلل رمز الزمن الذي يتسم بالإيجابية الواضحة، والطلل يبدو وكأنه منبت ثقافة، وفكرة السفن تمضي في الماء تتعلق بفكرة الرحلة البعيدة التي تحقق المغانم, وفكرة النخيل مرتبطة بفكرة الظعائن.

وهو يرى أن موضوعات الشعر الجاهلي كثيرة, ولكنها قابلة للترابط, فالشعراء أعجبوا بالربط بين السيل والفرس، والفرس والمطر جزءان مترابطان من تفكير واحد، والفرس مرسل الغيث الذي يتوقعه الشاعر دون قنوط "مفهوم الخير"، والكرم جرى العرف على اعتباره معادلًا لفكرة الماء والبحر، والناقة هي التعبير الصالح عن فكرة الثبات والقهر والصمود, والناقة أشبه بالأمومة القوية، وقد اقترنت بالنخلة في أذهان العرب، وأمومتها صابرة قادرة راغبة في استمرار الحياة، وأخيرًا هي ليست مجرد حيوان، إنها حيوان مقدَّس أحيانًا.

ويربط الباحث بين فكرة الراهب وفكرة المطر، فالمطر في شعر امرئ القيس قيامة غير عادية، أو هو هزة كبرى تنسخ التجارب اليومية المألوفة، وتفصل بين جزءين من الحياة، والمطر يسوقنا إلى فكرة الكرم، وفكرة الماء الذي يهبط من السماء وثيق الصلة بفكرة المحبوبة، كما أن ثَمَّة صلة بين فكرة المطر وفكرة الناقة.

أما الوشم فهو تعويذة ضد الطلل، والتشابه بينهما لا يمنع من ملاحظة

<<  <   >  >>