وكان الرافد الثاني من روافد البنائية "مدرسة الشكلية الروسية", التي ازدهرت في العقدين الثاني والثالث، وكان انطلاقها من مجموعة من طلبة الدراسات العليا بجامعة موسكو ١٩١٥, وشكلت "حلقة موسكو اللغوية", وقد أقاموا نظرياتهم الجمالية على أساس كفاية الأثر الفني في حدّ ذاته وقابليته لأن يشرح نفسه، والبحث عن لغة جديدة للفن.
وقد اتضح اتجاهان في البنائية فيما بعد: البنائية التحليلية التي يتزعمها "جاكوبسون", والبنائية التركيبية التي يتزعمها وينتهجها "شومسكي".
ويصف أحد زعمائها البنائية بأنها حل الشيء لاكتشاف أجزائه، والوصول من خلال تحديد الفروق بينها إلى معناها، ثم تركيبه مرة أخرى حفاظًا على خصائصه التي توضِّح لنا أن أيَّ تعديل في الجزء يؤدي إلى تعديل في الكل.
وفي عام ١٩٢٨م، قامت طائفة من علماء اللغة في تشكوسلوفاكيا بتكوين حلقة دراسية ضمت في صفوفها عددًا من الباحثين الذين ينتمون إلى بلدان أخرى، وصاغوا جملة من المبادئ تقدموا بها إلى المؤتمر الدولي الأول لعلماء اللغة الذي عُقِدَ في لاهاي ١٩٢٨م, تحت عنوان:"النصوص الأساسية لحلقة براغ اللغوية". وفي عام ١٩٣٠ ظهرت أول دراسة منهجية في تاريخ علم الأصوات اللغوية بإعداد "جاكوبسون"، وتبلورت أعمال حلقة براغ في ثمانية أجزاء ظلّت تصدر تباعًا حتى ١٩٣٨م.
وعلم اللغة البنائي عند حلقة براغ يتصوّر الواقع اللغوي على أنه نظام سيميولوجي رمزي، ويحلل عملية الكلام قبل أن تصل إلى التعبير الواقعي بتتبّع مراحلها المختلفة، فيميز بين إجراءين مختلفين وإن اختلط أحدهما بالآخر في عملية الكلام البشرية, وأولهما: هو التقاط العناصر الواقعية المحددة, أو الذهنية المجردة, التي تلفت انتباه الفرد الذي سيتحدث, وإدراك إمكانية التعبير عنها بكلمات من اللغة التي يستخدمها. أما الإجراء الثاني: فيتمثل في وضع العلاقة المتبادلة بينهما وبين الرمز اللغوي الذي يشير إلى العناصر المختارة بطريقة تشكل كلًّا عضويًّا وهو الجملة.
وقد كان لحلقة براغ دراسات وبحوث موسَّعة في لغة الشعر والأدب بصفة عامة، وتنمي في كثير من جوانبها الخطوط المنهجية الأولى للمدرسة الشكلية, ولا بأس من ذكر أهم معالمها: