للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من إنجازات, وهذه التيارات جميعًا تظل ذات حضور فعلي على مستوى الوعي النقدي في عملية التحليل التي يؤديها, وفيما يبلوره من أطروحاتٍ إما بصفة تكوينية إيجابية أو بصفة تعارضيه.

ويعترف الباحث بأنعمل ليفي - شتراوس, هو الألصق بالمشروع الذي ينميه؛ لأن معطياته التحليلية ومصطلحاته قد لعبت دورًا تأسيسيًّا في تطويره للمنهج البنيوي، بالرغم من أن دراسة الباحث للشعر ودراسة شتراوس للأسطورة على درجة من التمايز تجعل المقارنة بينهما أمرًا ضروريًّا، أما عمل "بروب" فإن أهميته تنبع من إسهامه في بلورة مفهومي البنية والتحولات إسهامًا متميزًا.

ويرجع الباحث صلته بالمنهج في النصف الثاني من الستينات، ثم مرت سنوات من التأمل والتطوير البطيء إلى أن تبلورت صيغة أولية للمنهج؛ حيث درس معلقتي لبيد وأمرئ القيس اللتين عرضنا لهما، ولكن العمل بدا أنه بحاجة إلى سنوات أخرى من العمل قبل أن يصل إلى صيغة مكتملة.

وفي الوقت الذي يكشف عن إشكاليات في الشعر الجاهلي لم تتميزها المناهج الأخري، ويقترح حلولًا لها، فإنه يثير إشكاليات جديدة لا يسعى دائمًا إلى حلها, بل يكتفي ببلوراتها تاركًا لأبحاث أخرى في المستقبل مهمة معالجتها. والبحث بهذه الصفة مشروع مستمر لا يستعجل الوصول إلى نهاية, بل يسعى إلى تطوير وسائل التحليل وزيادتها رهافة ودقة وكفاءة, واستكمال العمل الضروري الجاد لتطوير المنهج، ولتحقيق فهم أعمق غورًا وأكثر شمولية للشعر الجاهلي, وللشرط الإنساني في الحياة الجاهلية. وهو يرفض التفكير الجزئي القاصر، والعمل الانطباعي المتعجل, والمعالجة التقليدية المتجمدة عند حدود ما قدَّمه المعلقون والشراح وغيرهم.

ويبدو من استعراض فهرس موضوعات الكتاب، موضوع الدراسة هنا، أن الباحث قد ضمنه دراستيه السابقتين، وأنهما كانا كما ذكر محاولات أولية لاكتناه المنهج، وتطويره قد تَمَّ في هذا العمل الأخير. ولا أرى ضيرًا في ذكر موضوعات الكتاب؛ لأنها تلقي ضوءًا ساطعًا على منهج الباحث، وتوضح الخطوط العريضة للمنهج البنيوي الذي يتبناه.

<<  <   >  >>