وجغرافية ما، حيث يؤدي وظائف محددة بها، ومن ثَمَّ لا حاجة إلى أيّ حكم قيمي، فكل شيء وجد لأنه يجب أن يوجد".
وجاء هيبوليت تين "١٨٢٨-١٨٩٣" ليطوّر هذه الفكرة من بعدها ويستفيد من التقدم الذي أحرزته النظرية الاجتماعية منذ مونتسكيو حتى أوجست كنت "١٧٩٨-١٨٥٧م". وقد جهد تين ليطور نظرية علمية كاملة للأدب، وليخضع الأدب والفن لطرائق البحث التي وظَّفت في العلوم الطبيعية حتى دفعت الكثيرين إلى اعتباره المؤسس الأول لعلم اجتماع الأدب، قد أضاف إلى بعدي العصر والواقع الاجتماعي بعدًا جديدًا هو الجنس أو العرق، وأصبح الثالوث "البيئة والجنس واللحظة التاريخية" هو الذي يفهم العمل الأدبي على أساسها فهمًا كاملًا.
ويمكن تلخيص العوامل الثلاثة في عنصر جوهري واحد هو "البيئة الفاعلة المتحركة المشروطة بالزمن من ناحية, وبالطبيعة الذاتية للمبدع من ناحية ثانية".
وفي الوقت نفسه كان معاصره كارل ماركس "١٨١٨-١٨٨٣م" يحاول صياغة فلسفة كاملة لمفهوم البيئة، ولعلاقة الإنسان بها وموقفه منها، من منطلق مادي جدلي, وكان من الطبيعي أن تؤدي هذه الثورة الفلسفية إلى إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الأدب والواقع الاجتماعي من خلال منهجها الجديد في الدرس والتحليل, وكان لإعادة النظر تلك فضل كبير في صياغة الكثير من التساؤلات الجوهرية الهامة التي لا تزال حتى اليوم مدار بحث بين كثير من كُتَّاب هذه الثورة الفلسفية الجديدة، ومن المعادين لها على السواء، والتي فتحت آفاقًا ثرية من البحث والاستقراء.
ومن أهم هذه التساؤلات: ما طبيعة العلاقة بين البنى الاجتماعية والاقتصادية التحتية والبنى الفكرية والإبداعية الفوقية؟ ثم حوّر التساؤل إلى: ما دور الوجود الاجتماعية في تحديد الوعي؟ وما فاعلية الوعي في عملية التغيير الاجتماعي؟
وإذا كانت معظم المحاولات المبكرة لاستكناه أبعاد العلاقة بين الأدب والمجتمع تنطلق من افتراضين أساسيين هما: أن هناك علاقة حقًّا, وأن المطلوب هو تحديد طبيعتها، وأن الأدب يزودنا بنوع معين من المعرفة أو البصيرة بالواقع الذي صدر عنه, ويركز اهتمامه على علاقة هذه المعرفة بالصور الأخرى التي تقدمها مختلف المعارف الإنسانية عن المجتمع، فإن الشكلية في جوهرها نقص لهذا