للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأية كانت بواعثها: في وقفة بطولة أو موعد حب أو كأس خمرة أو قدح معلى. لهذا كان الشعر الجاهلي في تعبيره عن هذه الحاجة يمضي حتى بلوغ نقطة التوازن أو التوتر أو التقابل بين المصير والصيرورة، وهذه وقفة جدية تحتفظ بكل طاقات النفس المترجمة بين حالين متعارضين. وملاحظة أخيرة أن الشعر الجاهلي خالٍ من السخرية؛ لأن السخرية تقتضي انفصالًا عن الواقع وبعدًا نفسيًّا عنه, وصيرورةً ما تمكّن السخرية منه ماضيًا, آخذ طريقه لأن يصير ماضيًا في طريق ذي اتجاه واحد١.

وآخر قضية يعرض لها هي "تقاصر الشعر في بعض المواطن", ورأيه أن الخروج من الاقتصاد القبلي إلى شكل اقتصادي أرقى يجرّ معه تبدلًا في الحياة الاجتماعية والنفسية، إذ تستجد علاقات تتميز من العلاقات القبلية بكل ما تخلفه من مؤثرات في أوضاع الأفراد تعكس في شكل أوضح من التفاوت، كما تستجد روابط جديدة تحل تباعًا محل الروابط القبلية.

وأما يوسف اليوسف فله دراستان: "مقالات في الشعر الجاهلي"٢ و"بحوث في المعلقات"٣ ففي دراسته الأولى يعلن في المقدمة أن هدفه الأساس هو عرض الشعر الجاهلي على محك المعاصرة٤, وذلك لأنه يرى أن الشعر الجاهلي يقدم ميدانًا رحبًا للدراسات الأنثروبولوجية, بينما لا نجد من ألقى ولو نظرة عابرة على هذه الناحية من الشعر الجاهلي إلّا نادرًا. أما المنهج الاجتماعي والمنهج النفسي والمنهج الفلسفي فتكاد تكون عديمة الوجود.

وأما الباحث فهو يقول: إنه قد وظَّف أكبر قدر ممكن من المناهج في دراسة الشعر الجاهلي، ودمجها مع بعضها, بحيث يمكن أن تتعايش جميعًا في المقال الواحد، بالرغم من طغيان هذا المنهج أو ذاك في بعض الأحيان، وذلك ما يمكن أن ندعوه منهجًا متكاملًا في النقد, وكان يمكن أن نصنِّفه مع المنهج التكاملي في النقد, لولا أنه يقرر أنه شدد على أهمية كون الشعر إفرازًا اجتماعيًّا, مع الاعتراف والأخذ بعين الاعتبار أن القصيدة تبدعها نفس معينة لها أحوالها المعينة وحاجاتها


١ مدخل إلى الأدب الجاهلي، ٢٤٨-٢٤٩.
٢ صدرت عن دار الحقائق، ط٢: ١٩٨٠.
٣ صدرت عن وزارة الثقافة بدمشق ١٩٧٨.
٤ مقالات في الشعر الجاهلي ص١٠.

<<  <   >  >>