فما كان يتحرّج من الحديث عن المرأة وعن الجنس وتضمينها للقصائد بما في ذلك المعلقات. وما دام الجاهلي يستقبي الحياة بالتقدم للقاء المخاطر، وحتى الموت، فإن إقدامه هذا أو تصوره الإقدام يؤجج فيه اللذة؛ لأن الذين يخشون الموت هم الذين يخشون اللذة، وتأتي الصحراء الممتدة أفضل بيئة لإثارة الغرائز, ولئن كانت اللذة هي الحرية في الفعل، فهي من وجه آخر تجيء عزاء عن فقدان الجواهر والحرمان الملازمين لتلك الحياة المحدودة.
وفي تلك البيئة, فإن كل شيء يتغير وتظل المرأة أكثر إخلاصًا للثبات من خلال التغير، فهي كالطبيعة تظل مخلصة للتاريخ، وهي في الوقت نفسه رمز الخصب والطمأنينة، ولعل الشعور بتملكها يحمل بجانب المفهوم الأبوي في الملكية حسّ السيطرة على الطبيعة نفسها أو امتلاكها، وموقفه منها هو صورة انعكاسية لما يريده الرجل عن نفسه، ولعل من الفريد والطريف في تلك الحياة أن تتوافى جميع هذه الانعكاسات في الغزل: بداوة ورقة، قبيلة وحضارة، سبي يصل إلى حد امتهان المرأة, وسموّ يصل بها إلى حالة مثالية، معاشرة عارضة أو آنية ومفارقة, أو تسريح, ومن ثَمَّ حنين لا ينتهي، ولكن النغمية العامة قائمة على الشكوى، وثمة استحالة الأحلام بسبب معارضة الناس والقدر. وإن مثل هذه النفس القلقة لا بُدَّ أن تجنح بما لها من حسٍّ شاعري، نحو ملاذ أو ملجأ، ويظل الجنس خير ملاذ في مواجهة إشكاليات التاريخ.
والموقف الذاتي الثاني: الموقف من الميسر والخمرة: وهو يرى أن شيوع الخمرة لدى العرب في الجاهلية ظاهرة تستوقف المرء، ويعطينا الشعر الذي قيل فيها شيئًا من التفسير لما مكّن لها في النفوس، فجاءت في مؤثراتها الصورة المقابلة لكلِّ ما يختلج في ضمير المجتمع عن طريق هذا الشعور بالاستقلال الذي تخلقه، وهذا المؤشِّر عون ثمين للفردية المتململة، كما أنه يمثل لحظة الانفصال عن الواقع، حامل معها الإحساس المريح المهدئ للنفس إزاء ما ينتابها من قلق وضيق.
ويلخص رأيه بقوله: "إن كل أسلوب أو شكل أدبي بارز يعرض لنواظرنا نقطة اهتزاز مشع، وهي، لدى الجاهلي تتمثل في الحوار بين البطولة واللذة، بين الجبرية والمصادفة، وبين التقاليد القبلية والتطلعات الفردية. وكل ذلك يمثل في معناه البعد التاريخي والبعد الذاتي في لحظات التوقد, أية كانت الهزة أو النشوة