للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بساح الفقراء والمستضعفين, فتحمل لواء الدعوة إلى التمرد، ويمثلها عروة.

وبالرغم من اختلاف الدوافع التي دفعتهم إلى حياة التصعلك, فإنهم جميعًا فقدوا توافقهم الاجتماعي، وهو الأساس الذي تقوم عليه الصلة بين الفرد والمجتمع، وهذا الفقدان ينتهي بالفرد عادة إلى أن تكون صلته بمجتمعه قائمة على أساس "السلوك الصراعي".

ويفرد الباحث الفصول الثلاثة الأخيرة من كتابه للحديث عن "المصير والصيرورة"١ و"مواقف ذاتية ووجودية"٢ و"تقاصر الشعر في بعض المواطن"٣.

ويتساءل الباحث: لماذا لا يكون للإنسان العربي، وهو يشير إلى الدهر، مصير مستمد من طبيعة بيئته وحياته، وكأنه يبثّ حوارًا مع بيئته الصحراوية من خلال حوراه مع القبيلة التي لا يستقيم بقاؤها إلّا في بيئة صحراوية, وفي نظام اجتماعي قبلي يقوم على الرعي لا الزراعة، وكأن الشاعر يودّ برغبة غامضة تبديل المجتمع, يتوافى معه في علاقة إغراءٍ كتلك التي تكون مع شخص غير راضٍ عن القيام بعمل ما، ولعل فكرة الدهر أو القدر تقترن بما انطوى عليه الشعر الجاهلي من حديث الفراق والارتحال والبكاء على الأطلال، حيث يخالط الذاتي الوجودي اندماجًا وتباعدًا ليظل له تفرده، حتى أضحت هذه الطريقة في تناول الموضوع مدرسة أدبية يغلب عليها التقليد أكثر من الإحساس الذاتي والوجداني.

ولكنه يستدرك بأن شعوبًا أخرى عرفت مثل هذه الحياة دون أن يجري على السنة شعرائها مثل هذا التفجع. ويتساءل بعد ذلك: فهل أتى هذا التفجع نتيجة اندثار الحضارة الجنوبية, فارتحلت تلك القبائل تحمل معها ذكرى مواطنها, وتردد على ألسنة شعرائها, ثم لاقى ذلك هوى في نفوس القبائل الأخرى فتبنته حتى أصبح مدرسة أدبية تعبر عن الحضارة التي أفلتت من اليدين أكثر من تعبيرها عن خيمة ونؤي؟.

أما المواقف الذاتية والوجودية التي عرض لها, فأولها موقف الشاعر الجاهلي من الجنس والمرأة, ويرى أن للعصر الجاهلي موقف من الجنس كله حرية وانطلاق،


١ مدخل إلى الأدب الجاهلي ٢١٣-٢٢٧.
٢ المرجع نفسه ٢٢٨-٢٤٩.
٣ المرجع نفسه ٢٥٠-٢٥٨.

<<  <   >  >>